سامح المحاريق تمكنت (إسرائيل) من توجيه ضربتين موجعتين متتابعتين لحزب الله مع اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإسماعيل هنية، قائد حركة حماس في طهران، والعمليتان تشتملان ضمنيا على فعالية أمنية وعسكرية لا يبدو أن (إسرائيل) توظفها في الحرب على غزة، مع كثافة استخدامها للقنابل الغبية في مختلف أنحاء القطاع، مع إحجامها عن توجيه ضربات بالقنابل الذكية التي يمكن أن تحقق أهدافها العسكرية بخسائر بشرية أقل كثيرا مما أسفرت عنه عمليات جيش الاحتلال، وأوصلت عداد الموت لنحو أربعين ألف شهيد على الأقل في مختلف أنحاء غزة. وكانت قناة الجزيرة قد نشرت تقريرا كاملا عن النوايا الإسرائيلية من وراء توظيف القنابل الغبية، التي تؤدي إلى ارتفاع أعداد الضحايا مقابل قنابل ذكية يمكنها الوصول إلى أهدافها بفعالية، ومن غير إحداث دمار واسع في محيطها، وخلص التقرير إلى أن إسرائيل بهذه الاستراتيجية تكشف عن نواياها الحقيقية في استهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة، أي شعب غزة بأكمله، قبل مقاتلي المقاومة. الفلسطينيون الذين استهدفتهم إسرائيل على مدى الأشهر الماضية، لم يكونوا أثرا جانبيا للحرب، أو خسارة لا يمكن تجنبها، ولكنهم كانوا وبوضوح الهدف الأساسي من الحرب، التي أصبحت فرصة لاقتلاعهم من أرضهم، وتوجيه رسالة أوسع بما يمكن أن يحدث مستقبلا خارج القطاع في الضفة الغربية تحديدا، بمعنى أنها حرب (إرهابية) في جوهرها. لا تسعى إسرائيل لاجتثاث المقاومة من خلال عملية جراحية، وهدفها الأساسي هو التخلص من الفلسطينيين بشكل كامل، خاصة في قطاع غزة، حيث أصبحت المقاومة أثناء سنوات الحصار ونتيجة لعملية التضييق الممنهج والتنغيص المتواصل جزءا من نسيج المجتمع بشكل عام. السلوك الإسرائيلي يظهر النوايا الحقيقية والعميقة لحربها الحالية التي يحركها اليمين المتطرف، ويحدد أجندتها وأولوياتها، ويتمثل ذلك في التفريغ السكاني للفلسطينيين، وعلى مراحل، ولا توجد أية فوارق بين أهل غزة، ومن يعرفون بعرب 1948، فالأسباب يمكن اختلاقها، والذرائع ليس من الضروري أن تكون منطقية. تمثل غزة خط الدفاع الأول، وتحقيق الغاية الترهيبية من الحرب، يمكن أن يضعف جبهات أخرى مثل الضفة الغربية، ويستكمل الحديث عن قلق أمني وعن خوف من الانتقام يتوجب العمل على أساسه على استهداف منظم لإبقاء عرب 1948 في الحد الأدنى من الوجود الإنساني، إن لم يكن تأسيس حالة طاردة لهم، ولكن هل يكتفي اليمين الإسرائيلي بذلك؟ قبل حرب غزة ببضعة أشهر وقف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وراء منصة حملت خريطة للكيان الإسرائيلي، تضم بجانب كامل الأراضي الفلسطينية، المملكة الأردنية الهاشمية كاملةً، وهذه الخريطة ليست بدعة من الوزير الإسرائيلي، فحركة الأرغون الإرهابية اعتمدتها كخريطة لإسرائيل التي تسعى لتحقيقها، وكان الشعار المكتوب تحت الخريطة التي تجمع فلسطين والأردن «هكذا وحسب» التي تعني ضمنيا أن تعريفها لإسرائيل الممتدة على جانبي نهر الأردن غير قابل للتفاوض أو التفاهم، لأنه بسيط ومباشر وواضح بالنسبة لأدبياتهم، وفي بعض المنشورات التي كانت الحركة توزعها أتى التأكيد على أن المدينة القديمة ليست هي القدس، التي تعترف بها، وأن نهر الأردن ليس حدود الوطن الذي تريده وتعمل على تأسيسه. أصرت إسرائيل على حرب كبيرة ومدمرة، وتجاهلت العالم بأسره بجميع احتجاجاته الواسعة وأصواته الصاخبة، فالحرب الكبيرة هي التي تستلزم التسوية الواسعة ويمكن أن تُطرح لوقفها التنازلات غير المتخيلة سابقا، وكأن إسرائيل تسعى إلى اللحظة التي يناشدها العالم لوقف الحرب مقابل أي ثمن كان، ويمكنه أن يستوعب من تبقى من الفلسطينيين وكأنهم كائنات وصلت إلى حدود الانقراض، ويتوجب المحافظة عليهم من باب حماية التنوع البيئي، مثلما حدث مع وحيد القرن الذي يعايش معه أنصار البيئة عقدة ذنب تدفعهم للمحافظة على الأعداد المتبقية منه، بعد أن استنفد صائدو العاج وجوده في العديد من مناطق العالم. لا يعني ما يحدث في غزة أن تتحقق الغاية الإسرائيلية النهائية، وكأنه لا مهرب منها أو مناص عنها، ويبدو أن المطلوب للحصول على الصفقة الكبيرة هي حرب أكبر، ولذلك ضربت إسرائيل بصورة استفزازية في الأيام الأخيرة، خاصة بعد عودة بنيامين نتنياهو من واشنطن، محملا بتشجيع ترامب ووعوده بفترة رئاسية مقبلة يستكمل فيها فوائت فترته السابقة، ومعولا على ما رآه من ضعف الديمقراطيين وخوفهم من التفريط في ورقة إسرائيل قبل الانتخابات المقبلة، والحرب الإقليمية التي تقترب ليست مكانا للأسلحة الغبية التي تتطلب كثافة الوجود العسكري بصورة لا تستطيع إسرائيل توفيرها وحشدها. مقاومة غزة أحرجت إسرائيل إلى حد بعيد، والقرار بخوض حرب غبية أمام شعب لم يعد لديه ما يخسره، أصاب إسرائيل بأضرار في سمعة الردع وإن كان يحقق أهدافها الإرهابية، وإسرائيل تستعد لأن تعلن عن فعالية الردع الذكي بوصفه المرحلة التالية للإرهاب الغبي، ولكن المشكلة الإسرائيلية في هذه الحالة أنها ستواجه أطرافا ستجد نفسها في مرحلة ما مضطرة للدفاع عن وجودها. تمكن الأمريكيون من دخول العراق وأفغانستان بأسلحتهم الذكية، ولكنهم فشلوا على الأرض، وبددوا كل ما فعلوه بتورطهم في بيئة معادية بصورة جذرية، فهل يمكن لإسرائيل أن تقضم المزيد، ومتى وأين تتوقف شهوتها في التمدد، وهل يمكنهم السيطرة على أحلامها لتجنب تحولها لكوابيس، مهما كانت السيناريوهات، فالأثمان المقبلة باهظة للغاية. كاتب أردني