الـويسكـي كمـؤشر اقتصـادي

الأثرياء مجس للأزمات الاقتصادية أهمّ من الفقراء. يتوقع الناس أن أوّل من يطالهم تأثير الأزمات التي تمس الجيب والإنفاق هم الفقراء والطبقة الوسطى ومحدودو الدخل بصفة عامة.

إذا زادت الأسعار أو تراجعت العملة أو مستوى الدخل يحسّ الفقير بالضغط ويبدأ بترشيد الإنفاق. لكن الثري يكون قد سبقه في قصقصة المصاريف، على مستوى التقشف في ما تنفقه شركته، أو على مستوى المصاريف الشخصية.

عندما بدأت الأزمة المالية العالمية عام 2008 بإفلاس بنك ليمان الأميركي، كانت مطاعم نيويورك الفاخرة أوّل مؤشّر على عمق الأزمة. بدأ الأمر بتراجع عدد الزيارات التي يقوم بها الأثرياء إلى هذه المطاعم. ثم برز مؤشر أخطر يتعلق بما يطلبونه خلال تلك الزيارات، من الصعب أن يطلب الثري وجبة أرخص، فهذه ضمن لائحة الأسعار التي لا تقبل الأخذ والرد.

لا يمكن أن يكتفي بأكل السلطات أو الوجبات الخفيفة، فيطلب الأسماك الغالية أو قطع اللحم المعمرة لأسابيع. لكنه صار يختار أنواعا من الخمر أرخص.  يمكن أن يطلب الأثرياء أكثر من قنينة خمر، كل واحدة منها بثمن يزيد عن 500 دولار.

تراجع سعر اختيارات القناني التي يتم طلبها، عندما عبر المؤشر حافة 200 دولار للقنينة نزولا، أدرك الكثير من المحللين الاقتصاديين أن الولايات المتحدة ومعها العالم مقبلان على أزمة اقتصادية كبيرة. هذا مؤشر لا يخيب ولا يمكن إنكاره. من المفيد الإشارة إلى أن دولا عربية لم تكن تقرأ هذه المؤشرات، أو أنها أصرّت على أن ما يحدث في مطاعم نيويورك لا يمكن أن يمس بعدد السياح في منتجع ياسمين الحمامات التونسي أو ما ينفقونه وهم في سياحتهم. لعل تلك القراءات كانت قادرة على تجنيب المنطقة ربيعها العربي.

قبل أيام أصدرت شركة دياجيو البريطانية إنذارا بتراجع أرباحها خلال الأشهر الستة الماضية. هذا مؤشر خطير لأن الشركة تنتج 40 في المئة من الويسكي الأسكتلندي الشهير. من ضمن منتجاتها الويسكي الفاخر الأكثر انتشارا وشهرة جوني وولكر. لا يوجد بار محترم في العالم لا يقدم جوني وولكر.

وإذا صارت مبيعات هذا الويسكي في تراجع، فإن الأزمة التي نعيشها اليوم، سواء بسبب حرب أوكرانيا أو أسعار المحروقات أو بسبب تأثير المناخ على المحاصيل الزراعية، مرشحة لأن تكون أكثر عمقا وتأثيرا.

ما يشربه الأثرياء من ويسكي فاخر هو مؤشر اقتصادي لا يقل أهمية عن مؤشرات أسعار النفط والغاز والقمح والذرة. البيرة المحلية والخمر الرخيص وسعر رغيف الخبز تبقى مؤشرات ثانوية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )