عبد الله الدامون damounus@yahoo.com على بعد خمس سنوات فقط من المونديال، لا نعرف ماذا نفعل مع الوحل. وحل كل شيء، وحل السياسة ووحل الاقتصاد ووحل الغلاء ووحل الرياضة ووحل الانتخابات ووحل الهجرة.. وأكثر من كل هذا وحل الفساد. وقبل بضعة أيام غرقت تلميذتان في عمر الزهور في بئر من الوحل عندما كانتا تتجهان نحو المدرسة البعيدة.. فقررتا المغامرة بعبور النهر بعد الفيضان، فانتهيتا مخنوقتين تحت أكوام من الطين. هذا لا يجب أن يحدث في بلد يقول إنه يبني أكبر ملعب لكرة القدم في الدار البيضاء لكي ينافس ملعب العاصمة الإسبانية مدريد في استضافة مونديال 2030. كان الأجدر أن نبني الكرامة أولا لملايين المواطنين المهمشين بين ثنايا الجبال القصية، وأن نوفر المدارس القريبة والمستشفيات الناجعة والإدارات الشفافة ووسائل النقل اللائقة للمواطنين فيما يسمى "المغرب العميق"، حتى لا نفاجأ بآلاف الأطفال والمراهقين وهم يحاولون "غزو سبتة" في عملية انتحارية نادرة. وقبل أن نبحث عمن حرضهم، لنسأل أنفسنا عما فعلناه في مواجهة جيش عرمرم من الفاسدين، من السعيدية إلى الكويرة، والذين حولوا هذه البلاد إلى مهرجان للنهب. تساقطت الكثير من الأمطار في مناطق محدودة لكي نكتشف أن القناطر التي بناها "الاستعمار الغاشم" في المناطق النائية تصمد أكثر بكثير من قناطر زمن الحرية والاستقلال. أليس من حقنا إذن أن نتذكر، بكثير من الامتنان من بناها، ونتذكر، على سبيل المثال، الجنرال فرانكو، الذي كان يأمر ضباطه بتفحص كل التجهيزات بطريقة متفردة، فيقف المهندس أمام ما بناه، سواء كانت قنطرة أو سورا أو أي شيء، فيطلق الضابط رصاصة على الجدار، فإذا اخترقته الرصاصة بسهولة فإن هناك رصاصة ثانية موجهة رأسا نحو المهندس الغشاش وكل من تواطأ معه..! محاربة الفساد لم تكن أبدا بالنوايا الحسنة و"الله يرضى عليك ما تعاودش"، ونحن لا نطالب طبعا بعودة الطريقة الفرنكاوية في محاربة الفساد، بل بشيء بسيط، المحاسبة الفعالة والمتابعة الناجعة ومحاكمة فعلية لكل من يتورط في الفساد، وكل من يسرق مليون أو مليار، يؤخذ منه الضعف. هذا ما تفعله البلدان التي تحترم مؤسساتها، وعلى رأسها جارتنا إسبانيا. لو أننا فعلنا من قبل قانون الإثراء غير المشروع لما وصلنا إلى كل هذا الوحل، ولما وجدنا أنفسنا مضغة في أفواه الأعداء والأصدقاء كبلد يهرب منه شبابه وأطفاله بشكل جماعي، مهما كانت طبيعة المحرضين.. لأن المحرض الأول على هذا الفعل هو الفساد، وإذا لم نستيقظ اليوم قبل الغد، فقد نجد أنفسنا يوما أمام 100 ألف طفل وشاب يحومون حول سبتة أو مليلية. في هذه البلاد الكثير جدا من المخلصين، لكن فاسدا واحدا يخرب عمل ألف رجل صالح، ومائة لص كبير يخربون اقتصاد بلد بكامله، لكن المعضلة هي أن غواية الفساد تتسع، وكلما ضعفت المحاسبة إلا واتسعت رقعة الناهبين وتقلصت أعداد المخلصين. يجب أن نستفيق قبل فوات الأوان ونتوقف عن دفع جيش من الناهبين والجوعى نحو الانتخابات كل خمس سنوات لكي يتحولوا إلى جحافل من الجراد تقضي على كل شيء. ماذا سنفعل بهذه الديمقراطية الغريبة التي تقضي على حاضر ومستقبل أمة بكاملها..!؟ ألم يحن الوقت بعد لكي يقرر حكماء هذه البلاد وقف هذه المهزلة وتعيين الأكفاء في مراكز التسيير، عوض فتح الباب لكل هؤلاء "المنتخبين" في انتخابات كلنا يعرف ما تساويه..!؟ الوقت لم يفت بعد، ولنتذكر دائما أنه لا يوجد أي بلد في العالم حقق تنمية حقيقية جنبا إلى جنب مع الفساد. فعندما يوضع الفاسدون في السجون ويتم تفعيل المحاسبة الحقيقية، آنذاك ترفع التنمية رأسها وتهتف: ها أنذا...!