المساء اليوم - ع. الدامون: لا وجود للرومانسية والعواطف في العلاقات الدولية، لكن هناك لحظات تبدو فيها البلدان والشعوب وكأنها تعيش بالعاطفة فقط، وتتجمع الدموع في عيون الملايين عرفانا وابتهاجا بشيء ما. عندما عانت إسبانيا من ليلة الانطفاء الكبير، قبل بضعة أيام، لم يكن أحد يتوقع أن تأتي المساعدة من الجنوب،، بل من جنوب ما بعد البحر، ومن إفريقيا بالذات، حيث ترتبط أذهان الإسبان بكثير من الأفكار المسبقة عن المغرب، والعالم العربي وإفريقيا عموما. وكما قال الشاعر العربي يوما "في الليلة الظلماء يُفتقد اليدر"، غير أن بدر العلاقات المغربية الإسبانية، العلاقات الإنسانية على الخصوص، كان في تمام اكتماله تلك الليلة، وخصص المغرب قرابة نصف طاقته من الكهرباء لكي يبعد الظلام عن جارته الشمالية، ومر التيار سريعا كمارد أزرق تحت أعماق مياه مضيق جبل طارق، وفي رمشة عين كان الجنوب الإسباني مضاء بكامله بكهرباء مغربية. في بعض اللحظات من التاريخ تكفي ثواني معدودات لاتخاذ قرارات سريعة جدا، لكنها قرارات لا يمحوها التاريخ أبدا، وتظل عالقة في أذهان الملايين من الناس، وهذا ما حدث بالضبط بعد القرار المغربي بتزويد إسبانيا بالكهرباء في عز الظلام. كثير جدا من الإسبان، عندما حدث ما حدث، كانوا يتوقعون أن تأتي مساعدات من الشمال، من فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا، أو حتى من big brother الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا شيء من ذلك حدث، وجاءت المساعدة من حيث لم يحتسبوا. وكثير من الإسبان لم يكتفوا باستيعاب هذه المفاجأة، بل سجلوا امتنانهم في أشرطة فيديو ونشروها على نطاق واسع، وقدموا الكثير من الشكر لجارهم الجنوبي، وكثير من هؤلاء لم يزوروا المغرب من قبل، ووعدوا بزيارته واستكشافه مستقبلا، فمغرب ما قبل الانطفاء الكبير ليس هو مغرب ما بعده. آخرون تأسفوا على كل هذه الأفكار المسبقة التي يلوكها البعض في إسبانيا حول المغرب، وخصوصا من ذوي الميولات اليمينية المتطرفة، الذين يعيشون على وهم واحد، وهو أن الشر يأتي فقط من الجنوب. رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، الذي وجه الشكر للمغرب على هذه الالتفاتة، ترجم مشاعر أغلبية الإسبان الذين لا يترددون في الاعتراف بأنهم كانوا يحملون أفكارا مسبقة خاطئة، وهي أفكار لعب اليمين بكل أصنافه، التقليدي والمتطرف، دورا كبيرا في ترويجها وتأجيجها. هذا ما يبدو جليا في مواقف الأحزاب اليمينية الإسبانية، وعلى الأخص الحزب الشعبي وحزب "فوكس" المتطرف، وأغلب وسائل الإعلام التابعة لهما حاولت استغلال القرار المغربي عبر مهاجمة الحكومة "التي تم إنقاذها من طرف المغرب"..! في كل الأحوال فإن اليمين الإسباني معتاد على هذه السلوكات، لذلك فإن أفضل فترات العلاقات المغربية الإسبانية كانت خلال وجود الاشتراكيين الإسبان في الحكم، منذ زمن الداهية فليبي غونزاليس وإلى اليوم، وأسوأ الفترات هي التي كان اليمين يحكم إسبانيا، خصوصا في فترة حكم خوسي ماريا أثنار، الذي يتذكره المغاربة بشيء واحد فقط، أزمة جزيرة "تورة"، التي يسميها الناس جزيرة ليلى. قرابة ربع قرن مرت على أزمة الجزيرة الصغيرة، وكثيرون نسوا ذلك، لكن كثيرين سيتذكرون لوقت أطول بكثير التضامن المغربي مع إسبانيا في حدث "الانطفاء الكبير".