هكذا حولوها إلى “مصيبة مؤكدة”..!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

عاينت مؤخرا صورتين لشخصين أعرفهما جيدا وهما في مكة لأداء مناسك الحج. الأول، وهو شخص غني، وضع على حسابه بالوتساب صورة أرقى فندق مطل على الكعبة، والثاني رجل متوسط الحال، وضع صورته شخصيا وهو في حرم الكعبة، لكن خلفه صورة الفندق المطل على الكعبة.. وليس الكعبة..!

في الصورتين معا اختفت الكعبة في مناسك يفترض أن الكعبة هي محور كل شيء، لكن الفندق الفخم صار كل شيء فعلا، والأغنياء ومتوسطو الحال، وحتى الفقراء، يتباهون بالتقاط صور إلى جانبه، وكأنه هو الكعبة نفسها.

الناس “السذج” مثلنا، يرعبهم فعلا أن يعوض الفندق، الذي يبدو مثل غول خرافي وفي رأسه هلال نائم مثل قرن، يعوض الكعبة حتى في صور الحجاج.

في كل هذا يجب أن ننتبه إلى أن مناسك الحج تحولت فجأة إلى طقس مرتبط بالتباهي والغباء. الأغنياء يتباهون بنزولهم في الفندق العملاق الذي يبدو وكأنه سيفترس الكعبة، والبسطاء أيضا يتباهون ولو من باب المرور قربه. إنه الفندق الذي يبدو وكأنه يختطف مهابة وهيبة وقدسية الكعبة. اسألوا عن أسعاره وستحسون بشيء غريب!

في كل هذا صارت شعيرة الحج مرتبطة أكثر بوسائط التواصل لأن الناس يلتقطون الكثير من الصور لنشرها، وهناك “حجاج” كثيرون يحرصون على التقاط صورهم في الحج ونشرها في حساباتهم الشخصية أكثر مما يحرصون على سلامة وصحة مناسكهم.

لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى كثيرة، صار الحج مكلفا جدا. فالحج الذي يعتبر حقا طبيعيا من حقوق المسلم صار محتكرا أكثر من طرف الأغنياء، وبينهم كثير من لصوص المال العام ومبيضي الأموال ومهربي المخدرات. لقد فعلوا بالحج ما فعلوه بقيم ومبادئ المجتمعات. لقد دمروها شيئا فشيئا وأنشأوا بدلها قيما بديلة..  قيم بلا قيم.

يمكن أن ننتبه إلى موضوع آخر يبدو مختلفا، لكنه في الحقيقة يدور في نفس الموضوع. فقد تحول عيد الأضحى إلى مناسبة دينية مرهقة للبسطاء، بل مناسبة مخيفة. وأسعار الأضاحي هذا العام تدفعنا فعلا إلى الإيمان بنظرية المؤامرة، وهي أن جهاتا ما تدفع كل ما هو مرتبط بالدين إلى خانة الغلاء المفرط حتى يكرهه الناس، وبالتالي يتخلون عنه.

وبعد أن حولوا الحج إلى سياحة فارهة بأسعار رهيبة، هم الآن يحولون عيد البسطاء إلى كارثة مادية ونفسية، ولن يمر وقت طويل حتى يبدأ الناس في التخلي تدريجيا عن هذه الشعيرة التي كانت، حتى وقت قريب، في متناول الجميع.

لكن لا ينبغي أن نلقي باللوم على الآخرين فقط، فنحن نساهم بقسط وافر في صنع الكارثة. لقد تعامل المغاربة مع الأضحية بتقديس غريب، وجعلوها أهم من الصلاة والصيام والمعاملات والأخلاق رغم أنها مجرد سنة مؤكدة، لكنها سنة وافقت هوى المعدة، فتحولت إلى مصيبة مؤكدة.

كل مناسباتنا الدينية، تقريبا، صارت غالية جدا. ففي رمضان ينبغي على المرء أن يمر من صراط حقيقي حتى ينهيه بسلام. فيه يتهافت الناس على الافتراس رغم أنه شهر صيام، وفيه تقوم “الجهات الخفية” بتحويله إلى شهر عذاب مادي ونفسي وتدفع بالأسعار إلى حافة جهنم.

هكذا صارت ثلاث شعائر أساسية في الإسلام، مرادفة للمعاناة المادية والنفسية، وأصعب من هذا هو أن أغلب الناس يحسون بقشعريرة الخوف كلما اقترب رمضان أو عيد الأضحى، أما الحج فقد نسوه تماما.

لقد نجحوا في ربط الدين بالخوف والمعاناة، ولعب عامة المسلمين دورا كبيرا في ذلك. إنها نظرية تحدث عنها ميكيافيلي قبل زمن طويل.. وها هي تتحقق الآن..

لكن انتبهوا.. إنها تتحقق في الإسلام خصوصا.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )