يجب أن نكون شجعانا في كل شيء.. وليس أمام المدونة فقط..!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

حتى الآن فإن مدونة الأسرة في صيغتها الجديدة تشبه امرأة مشبوهة، لا هي شريفة ولا هي داعرة، تمشي بين الناس فيصرخ البعض “اتركوا المسكينة لحالها..”، بينما يرميها آخرون بالحجارة ويصرخون “اللعنة عليها.. احرقوها حية”.

ولحسن الحظ فإن الأمور لم تخرج عن السيطرة، فغالبية المغاربة يكتفون من الغنيمة بالشتيمة، لذلك يستهلكون وقتهم في المنازل والمقاهي في شتم المدونة أو السخرية منها، ومن يلاحظ وسائط التواصل هذه الأيام فسيكتشف أن الناس ابتكروا من النكات والقفشات ما لم يبتكروه طوال نصف قرن، كل ذلك من أجل التحطيم المعنوي لمدونة الأسرة، التي يسميها آخرون”مدونة المرأة”، وآخرون يطلقون عليها لقبا أكثر حدة وهو “مدونة الطليقة”.

في كل الأحوال لن نناقش بنود هذه المدونة في صيغتها القديمة والجديدة، أو في صيغها القديمة والحديثة، لأن هذه المدونة صارت تشبه طريقا عموميا يتهافت على “إصلاحه” لصوص المال العام، وفي كل مرة ينتهي الإصلاح يغتني اللصوص ويبقى الطريق على حاله.. في انتظار إصلاح جديد.

قد تكون المدونة في حاجة إلى إصلاح فعلا، ليس في مجال التعدد أو قسمة الإرث أو غير ذلك، بل في حماية الأسرة بشكل عام، وأهم ما يجب إصلاحه هو حماية الأرملة والمطلقة من جحيم الشارع هي وأبناؤها، وحفظ كرامة أسرة يغيب معيلها فجأة فتتحول إلى مضغة سهلة بين أنياب انتهازيين، لم تكن تربطهم بالمتوفى أية صلة إنسانية، فيهرولون ليلة الجنازة للفوز بالغنيمة، وأحيانا يرافقهم مفوض قضائي لإحصاء الممتلكات، بما فيها براريد الشاي وعدد الملاعق وفناجين القهوة.

نعرف أيضا حقيقة صادمة وهي أن هناك مناطق في المغرب لا ترث فيها النساء، ويفخر رجالها بالقول علنا “النساء عندنا لا يرثن”، لكن لا أحد يجرؤ على مناقشة هذا الواقع الذي يفوق سوءا مدونة الأسرة الجديدة. إنه نفاقنا الاجتماعي الذي نبجله هنا ونشتمه هناك.

ربما اكتسبت مدونة الأسرة في شكلها الجديد، سمعتها السيئة ممن يقومون بعملية “الإصلاح”، لذا كان من الأنسب أن يوجد وزير آخر للعدل غير عبد اللطيف وهبي، هذا “الشيوعي التائب” الذي يبتز حتى الحجر بصراحة متوأمة مع الاستفزاز، فصار شيطانا في عيون الكثيرين، مع أن الرجل لا يحتاج إلى شيطنة، بل يمارس الشيطنة الذاتية في أجلى صورها.. وعندما لا يجد من يرميه بحجر، يرمي نفسه بنفسه. إنه أفضل من يطبق نظرية “نيران صديقة”.

كما أن وهبي ينتمي لحزب يسمى “الأصالة والمعاصرة”، والذي تجمعت فيه النطيحة والموبوءة والمتردية وما عاف السبع، حزب تتناسل فضائحه منذ تأسيسه، ويوجد عدد من قيادييه في السجون، حزب لا نقول إنه يجب أن يذهب إلى مزبلة التاريخ، بل فقط يحتاج إلى ثورة داخلية وقيادة حكيمة تنقذه من نفسه.

وهبي، هو أيضا ممارس قديم وشبه محترف للصحافة، ويعرف قيمتها أمام الأمواج المفزغة لتسونامي مواقع التواصل الاجتماعي المعادية، لذلك كلما أحس بالخطر، يستخدم المنابر الصحافية القوية دروعا بشرية، ويخلق لنفسه “شلة” من الرفاق الصحفيين الذين يشبهونه ويتشبهون به في حديثه وحداثته وجلوسه وجلساته.

قد لا يكون وهبي وزيرا سيئا جدا، بل ربما تكالبت عليه مناصب جعلته على هذا القدر من السوء في عيون منتقديه، فالكثير من كلامه جد يحتمل الهزل، أو هزل يحتمل الجد، على طريقة مجاذيب أيام زمان من لابسي “الدرابل” الهائمين على وجوههم في الفيافي، لكن الفرق هو أن وهبي بورجوازي شيوعي محترم ويدرك مباهج “الحياة الحلوة” كما وثقها الفيلم الإيطالي الشهير “la dolce vita”، أي أنه رجل “عندو لفلوس”، ونعتقد أنه يضعها كلها في الأبناك، وقد لا تكون له مشاكل مع القوانين الجديدة.

لكن في كل هذا، وبعيدا عن وهبي والمدونة وجدل العلماء ومن يسمون الحداثيين، لا نكاد نعثر على من يعترف أن المشكلة ليست في حقيقة الأمر مرتبطة ببنود المدونة الجديدة أو القديمة، بل المشكلة هي أننا مجتمع يعاني من انكسار أخلاقي ويغرق في نفاق اجتماعي رهيب، هو النفاق نفسه الذي يجعل كثيرين يشتمون من يحتفلون بعيد المولد النبوي لأنه بدعة، ويتسابقون للاحتفال برأس السنة الميلادية، أو ينكرون (في الفيسبوك) الاحتفال بأعياد النصارى، ويحجزون مقاعدهم في الملاهي والمطاعم قبل شهر من هذه المناسبة.

لو كنا مجتمعا سليما معافى لما أحسسنا بكل هذه “الخلعة” من المدونة الجديدة لأن الإنسان السليم يطبق مدونته الخاصة مع نفسه وربه، ويستر أسرته سواء في حياته وطلاقه أو مماته، ولا يعطي فرصة للغربان لنهش لحم أسرته قبل أن يبرد جسده في قبره.

شرع الله يوجد حيث وجدت مصلحة الإنسان، لكننا مجتمع منكسر لأسباب كثيرة وتراكمات مستمرة لعقود طويلة، وربما لقرون، وهو ما خلق لنا رجالا يرغدون ويزبدون ويضربون بقبضاتهم على موائد المقاهي لأن المدونة الجديدة منعت التعدد، وهم الذين ترعبهم الواحدة.. كما أنهم لا يفتحون أفواههم في قضايا أخرى أهم بكثير من المدونة، مثل الفساد الذي عم البر والبحر وتحول إلى سرطان رهيب يهدد مستقبل البلاد والعباد!

قد تكون المدونة الجديدة فرصة لنا لإصلاح أعطابنا النفسية والاجتماعية الكثيرة.. يجب أن نكون شجعانا وأصحاب كرامة في كل شيء، وليس أمام المدونة فقط..!

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )