المساء اليوم - وكالات: ألقت السلطات الفرنسية القبض على رجلين يُشتبه بتورطهما في إحدى أجرأ السرقات التي شهدتها العاصمة باريس منذ عقود، بعدما تمكنت عصابة من اقتحام متحف اللوفر في وضح النهار وسرقة مجوهرات التاج الفرنسي، التي تُقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، في عملية جريئة وثّقتها الكاميرات. وأظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي اللصوص وهم يفرّون عبر سلم جانبي مثبت على جدار المتحف الشهير، حاملين صناديق صغيرة يُعتقد أنها تحتوي على القطع الثمينة، قبل أن يختفوا على متن دراجات نارية كانت تنتظرهم في الخارج. وأكدت الشرطة الفرنسية، مساء أمس السبت، أن الموقوفين ينحدران من منطقة سان دوني شمال باريس، ويُعتقد أنهما جزء من مجموعة مكوّنة من 4 أشخاص نفذوا عملية السطو المعقدة صباح 19 أكتوبر. وأوضحت السلطات أن الرجلين أُودِعا قيد الحجز الاحتياطي، في إطار التحقيق المفتوح بتهم "السرقة المنظمة" و"التآمر الجنائي لارتكاب جريمة"، تحت إشراف فرقة مكافحة اللصوصية في باريس والمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية. من جانبها، ذكرت صحيفة "لو باريزيان" أن أحد المشتبه بهم أُلقي القبض عليه في مطار شارل ديغول الدولي بينما كان يحاول الصعود إلى طائرة متجهة إلى الجزائر، بعد أن تلقت الشرطة بلاغا بوجود نية للهرب خارج البلاد. حسب المعلومات الأولية، استخدم اللصوص رافعة شوكية وشاحنة صغيرة للوصول إلى إحدى نوافذ الطابق العلوي للمتحف، المطلّ على ساحة الفناء الداخلي في قلب باريس. قرابة الساعة التاسعة والنصف صباحا، أوقف الجناة المركبة قرب الجدار، وصعد اثنان منهم عبر الرافعة إلى قاعة العرض التي تضم مجوهرات التاج، ثم حطموا النافذة الزجاجية السميكة وصناديق العرض باستخدام أدوات كهربائية، قبل أن يفروا ومعهم 8 قطع مجوهرات نادرة على متن دراجتين ناريتين كبيرتين. وأشارت التحقيقات إلى أن اللصوص تصرفوا بسرعة ودقة بالغة، مستغلين الفترة التي كان فيها المتحف مفتوحا أمام الزوار، وهو ما زاد من جرأة العملية وصعّب على عناصر الأمن التعامل معها في الوقت المناسب. تضم مجموعة المجوهرات المسروقة تيجانا مرصعة بالألماس والياقوت وقلادات ذهبية تاريخية تعود إلى الحقبة الملكية الفرنسية. وتقدّر قيمتها الإجمالية بأكثر من 100 مليون دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى السرقات الفنية في تاريخ أوروبا الحديث. وقد أثارت العملية، التي وُصفت في وسائل الإعلام الفرنسية بـ"سرقة القرن"، صدمة واسعة بين الأوساط الثقافية والسياسية، نظرا إلى مكانة متحف اللوفر كونه أشهر متحف في العالم وأكثرها زيارة. "لو باريزيان" ذكرت أيضا أن المشتبه بهم معروفون للشرطة الفرنسية بسوابقهم في سرقات مماثلة، ويُعتقد أنهم نفذوا العملية بناء على عمولة من جهة مجهولة طلبت قطعا محددة من المجموعة. ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني قوله إن العملية تحمل "جميع سمات السرقات الاحترافية المنظمة"، موضحا أن "اللصوص استخدموا أدوات دقيقة، وخططوا للتسلل والانسحاب خلال دقائق معدودة، وهو ما يشير إلى خبرة طويلة في هذا النوع من الجرائم". وأقرت إدارة المتحف بأن المهاجمين استغلوا "ثغرة مؤقتة" في نظام المراقبة في أثناء أعمال الصيانة بأحد أجنحة المبنى، في حين قالت مصادر أمنية لصحيفة "لوموند" إن "السرقة نُفذت في وضح النهار باستخدام رافعة، وهو أمر لم يكن متوقعا حتى في أسوأ السيناريوهات". وأضاف أحد المحققين: "ما حدث أشبه بمشهد من فيلم هوليودي، لكنه يضعنا أمام ضرورة إعادة تقييم كل بروتوكولات الحماية في المؤسسات الثقافية الكبرى". وترددت أصداء العملية في وسائل الإعلام العالمية، ووصفتها الصحف البريطانية والأميركية بأنها "ضربة موجعة لهيبة فرنسا الثقافية"، في حين تساءلت صحف محلية عمّا إذا كانت الحادثة ستؤثر في صورة باريس قبيل استقبالها ملايين الزوار خلال موسم الأعياد المقبل. ورأى بعض المعلقين أن الحادث يمثل إهانة رمزية لفرنسا، الدولة التي تفتخر بتراثها الفني ومتاحفها العريقة. وقال أحد النقاد لصحيفة "لوفيغارو" المحلية: "عندما تُسرق مجوهرات التاج من قلب اللوفر، فالمسألة لا تتعلق فقط بسرقة أحجار كريمة، بل بسرقة جزء من الذاكرة الوطنية". وتواصل السلطات الفرنسية تحقيقاتها لتحديد هوية بقية أفراد العصابة واستعادة المجوهرات المسروقة، في وقت لم تُعلن فيه الشرطة عن أي معلومات حول مصير القطع الثماني حتى الآن. ولا تزال الفرق المحلية تُنسّق مع الإنتربول لتتبع أي محاولة لبيع أو تهريب القطع إلى الخارج، وسط مخاوف من أن تكون قد نُقلت بالفعل إلى خارج الأراضي الفرنسية.