أغنياء.. وأغبياء

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

في كل يوم تقريبا، تصل شاحنات خاصة إلى ميناء طريفة أو الجزيرة الخضراء في أقصى الجنوب الإسباني، وهناك يتم وضع بضاعة على قدر كبير من التميز. إنها سيارات فارهة مثل قطع زمرد لم يمسسها من قبل إنس ولا جان. بعد وضعها، يتم شحن تلك البضاعة في أجنحة خاصة داخل البواخر حتى لا تختلط بالسيارات “المشمكرة”، ومن هناك تقطع مضيق جبل طارق، حتى تحط الرحال في ميناء طنجة، وأحيانا في ميناء الدار البيضاء.

في الموانئ المغربية، يتم إخراج هذه السيارات لتوضع فوق شاحنات خاصة، ثم تبدأ رحلة أخرى نحو مدن قريبة أو بعيدة، حيث ينتظرها أصحابها مثل عشاق متلهفين لاحتضان معشوقاتهم العذراوات. في النهاية تصل هذه السيارات إلى أصحابها بينما يقف معدل “الكيلوميتراج” فيها في علامة صفر، أي أنها عذراء تماما، عذراء بالفعل، لأن هذه السيارات لا تقبل البكارة الاصطناعية، وعشاقها يدخلون بها ويريقون “دمها” بكثير من الاستمتاع والإحساس بالقوة.

أصحاب هذه السيارات هم طينة خاصة من الأغنياء. إن فحولتهم يحولونها نحو الحديد، وعندما يمتطون مركباتهم فإنهم يحسون وكأنهم رواد فضاء يسوقون صحونا فضائية قادمة من كواكب أخرى. أسعار هذه السيارات يتراوح بين 400 أو 500 مليون سنتيم للسيارة الواحدة، وأصحابها يطلبون شراءها مباشرة من المصنع، وفي كثير من الأحيان يتم صنعها وفق مواصفات خاصة.

هناك سيارات أخرى أغلى بكثير، ويتم صنعها، من الألف إلى الياء، وفق طلبات خاصة، لذلك تصبح هذه السيارات مثل تحف فنية، ويمكن للقطعة واحدة فيها أن تساوي ثمن سيارة كاملة من هذه السيارات التي يتداولها البشر العاديون في الطرقات.

في كل بلدان العالم هناك تفاوت طبقي بين الناس، وهناك أغنياء جدا وفقراء جدا، وهم يعيشون في انسجام لأن كل واحد يأخذ حقه حسب جهده وعمله وذكائه، لكن التفاوت الطبقي في المغرب ليس مسألة طبيعية لأنه ليس ناتجا عن التفاوت في الجهد والعمل والذكاء، لأن هناك أغبياء كثيرين، كثيرين جدا، تحولوا إلى أغنياء، أغنياء جدا، ليس بفضل عملهم ومجهودهم، بل فقط بفضل نفوذهم وفسادهم وعلاقاتهم و”فهلوتهم”.

في العالم المتقدم نفهم كيف يصبح الناس أغنياء جدا في بضعة أيام. والذين يعملون بجد من طلوع الشمس إلى منتصف الليل يجب أن يكونوا قدوة للآخرين إذا راكموا الثروات، وفي كثير من الأحيان لا يتباهى هؤلاء الأغنياء المكافحون بسياقة السيارات الفارهة وامتلاك القصور والضيعات واحتقار الآخرين.

ما يخلق الإحباط في المجتمع ليس هو وجود أغنياء جدا مع فقراء جدا، بل هو وجود أغنياء جدا اكتسبوا ثرواتهم بوسائل النصب والاحتيال، أو الاتجار في الممنوعات والمخدرات. ومع مرور الوقت يبدأ هؤلاء في التصرف وكأنهم أعيان المجتمع والنخبة الأكثر جدية والأكثر ذكاء، وكأن الآخرين لا وجود لهم، أو أنهم وُجدوا فقط لكي يفسحوا لهم الطريق.

الإحباط القاتل في المجتمعات يبدأ حين يتصرف الأغنياء وكأن الله اصطفاهم دون غيرهم لكي يكونوا أغنياء، بينما الجميع يعرفون كيف حصلوا على تلك الأموال، وكيف حصلوا على الملايير من القروض المشبوهة التي لم يردوا منها فلسا واحدا، وكيف باعوا واشتروا في أملاك الدولة والشعب، وكيف نهبوا الميزانيات العمومية، وكيف تهربوا من أداء الملايير من الضرائب، وكيف أخذوا “الكوميسيونات” في الصفقات، وكيف حصلوا على المقالع وخربوا الجبال والغابات، وكيف حصلوا على أراضي بالمجان وبنوا فوقها مدن البؤس وحولوا المواطنين إلى شعب دجاج، وكيف صنعوا ثرواتهم بعد أن جعلوا ثلث الشعب مدمنا.

عموما.. كلما كثر عدد الأغنياء في بلد.. فهذا دليل على أنهم بنوا ثرواتهم على ظهور الأغبياء.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )