المساء اليوم - متابعات تشهد الساحة الإسلامية في إسبانيا منذ سنوات صراعا محتدما بين تيارين رئيسيين: الأول تقوده شخصيات سورية ترتبط تاريخيا بجماعة الإخوان المسلمين، والثاني يمثله عدد من الفاعلين المغاربة الذين يسعون إلى استعادة التمثيل الرسمي داخل اللجنة الإسلامية في إسبانيا (CIE)، وهي الهيئة المخولة بالتحدث باسم المسلمين أمام مؤسسات الدولة الإسبانية. هيمنة سورية رغم الأغلبية المغربية يعود تاريخ اللجنة الإسلامية إلى ستينيات القرن الماضي، حين استقر عدد من الطلبة السوريين والعرب في إسبانيا وأسسوا جمعيات إسلامية، أبرزها رابطة المسلمين في إسبانيا بقيادة الطبيب السوري الراحل ريّاي تطّاري، الذي استفاد من دعم مالي سعودي مكّن من بناء أول مسجد حديث في مدريد، مسجد أبي بكر في حيّ تطوان. ومع مرور عقود من الزمن، تحولت هذه الشبكة إلى نواة اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا (UCIDE)، الذي يضم اليوم أكثر من 900 جمعية ويحتفظ بسيطرته على اللجنة الإسلامية (CIE). ورغم أن نحو 70% من مسلمي إسبانيا من أصول مغربية، فإن القيادة ما تزال في يد شخصيات سورية متقدمة في السن، تتهمها أطراف مغربية بـ"احتكار التمثيل الإسلامي" لعقود طويلة. محاولات مغربية محدودة النفوذ بحسب تقارير استخباراتية إسبانية، حاول المغرب خلال السنوات الماضية تعزيز حضوره داخل اللجنة الإسلامية بغرض تتبع أنشطة بعض المعارضين المقيمين في إسبانيا، والمتهمين باستخدام المساجد لمهاجمته سياسيا. وذكرت الاستخبارات الوطنية الإسبانية (CNI) في تقرير سابق أن الرباط "وضعت استراتيجية لتقوية نفوذها داخل الجالية المغربية في إسبانيا"، غير أنها فشلت في السيطرة على اللجنة التي بقيت بيد التيار السوري المحافظ. اتهامات بالارتباط بالإخوان وتمويل مشبوه يواجه قادة اللجنة الحاليون، وعلى رأسهم الطبيب السوري أيمن عدلبي، شبهاتٍ حول علاقاتهم بجماعة الإخوان المسلمين، كما خضع بعضهم لتحقيقات في قضايا تتعلق بتمويل جماعات متطرفة. ففي عملية أمنية سنة 2020، اعتقلت الشرطة الإسبانية عدداً من أعضاء الاتحاد بتهمة استغلال مناصبهم في مسجد تطوان بمدريد لتحويل أموال إلى تنظيمات متشددة في سوريا، إلا أن القضاء لم يصدر إدانات نهائية في هذه القضايا. القيادات المغربية تطالب بالإصلاح في المقابل، تطالب شخصيات مغربية فاعلة داخل الجالية بـإصلاح عميق لهياكل اللجنة الإسلامية يضمن تمثيلا أكثر عدلا وتنوعاً. ومن بين أبرز الأصوات المطالبة بالتغيير، محمد الغيدوني، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في كاتالونيا (UCIDCAT)، الذي يُنظر إليه كأحد المرشحين لخلافة القيادة الحالية. ويؤكد الغيدوني أنه "لا يمثل أي دولة، بل الجالية المسلمة فقط"، مشدداً على أن “الإسلام في إسبانيا يجب أن ينفتح على قيم المساواة والحرية، وأن يقطع مع كل أشكال التسييس”. بين النفوذ الديني والتوجه السياسي يرى مراقبون أن التنافس بين التيارين السوري والمغربي يتجاوز مجرد صراع على المناصب، إذ يعكس اختلافاً في الرؤية الدينية والسياسية: فالمغاربة يدافعون عن نموذج “إسلام معتدل قريب من مؤسسات الدولة”، بينما يميل بعض السوريين إلى مرجعية فكرية أكثر محافظة وتأثراً بخطاب الإخوان. ويشير خبير في الحركات الإسلامية بإسبانيا إلى أن “الرباط تتابع باهتمام ما يُقال في المساجد الإسبانية”. أزمة تمثيل الإسلام في إسبانيا تُقدَّر الجالية المسلمة في إسبانيا بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريباً من أصول مغربية. ورغم هذا الثقل الديموغرافي، تُتهم اللجنة الإسلامية الإسبانية منذ سنوات بـ“انعدام الشفافية وضعف التمثيل الديمقراطي وغياب التداول على القيادة”. ويحذر باحثون من أن استمرار هذه “الأوليغارشية الدينية المغلقة”، كما وصفها معهد إلكانو الإسباني، قد يؤدي إلى توترات جديدة داخل الجالية الإسلامية، ويُضعف جهود مدريد في بناء شراكة دينية شفافة ومتوازنة مع المسلمين المقيمين على أراضيها.