المساء اليوم - متابعات: كشف تقرير تحليلي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، اعتماداً على نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أن المغرب يواجه مرحلة تحول ديموغرافي عميقة وغير مسبوقة، يتمثل أبرز مظاهرها في تسارع وتيرة شيخوخة السكان. وأكد التقرير أن هذا التغير سيشكل تحدياً كبيراً للسياسات العمومية، خصوصاً في مجالات الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمسنين. ويشير التقرير إلى أن عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم ستين سنة قد بلغ حوالي 5.027 مليون نسمة، أي ما يمثل 13.8% من مجموع السكان، مقارنة بـ2.376 مليون نسمة في سنة 2004، أي أن هذه الفئة تضاعفت خلال عشرين عاماً فقط. ومن المتوقع أن يستمر هذا المنحى التصاعدي، بحيث سيصل عدد المسنين إلى حوالي 6 ملايين نسمة في عام 2030، و9.7 مليون بحلول سنة 2050، ليشكلوا ما يقارب ربع سكان المملكة، ما يطرح تحديات كبرى مرتبطة بالتمويل الاجتماعي والتغطية الصحية وتوفير خدمات ملائمة لهذه الفئة العمرية. وأوضح التقرير أن الشيخوخة السكانية لا تتقدم بوتيرة واحدة على مستوى التراب الوطني، بل تظهر تفاوتات واضحة بين الجهات والمناطق، فالوسط الحضري يسجل نسباً أعلى من المسنين، وهو ما يرجع إلى الهجرة القروية السابقة وتحسن الظروف الصحية في المدن، بينما تحتل جهتا الشرق وبني ملال-خنيفرة صدارة الجهات الأكثر شيخوخة، فيما تبقى الأقاليم الجنوبية الأقل تأثراً، حيث لا تتجاوز نسبة المسنين فيها 4.8%. كما أشار التقرير إلى أن "تأنيث الشيخوخة" يمثل بعداً بارزاً لهذه الظاهرة، إذ تمثل النساء 51.2% من مجموع المسنين، أي نحو 2.57 مليون امرأة. وتعاني هذه الفئة من هشاشة اجتماعية واضحة، حيث تبلغ نسبة الأرامل 37.6% مقارنة بـ4.1% لدى الرجال، كما يعيش حوالي 9% من المسنين بمفردهم، خاصة في المدن، ما يعكس تآكل شبكة التضامن العائلي التقليدية. وعلى الصعيد التعليمي والاقتصادي، يبرز التقرير تحديات إضافية، إذ لا يجيد القراءة والكتابة نحو 58% من المسنين، وترتفع النسبة لتصل إلى 72.6% بين النساء. أما من حيث الاندماج الاقتصادي، فتظل نسبة النشاط لدى المسنين منخفضة للغاية، حيث لا تتجاوز 16.1%، بينما يستفيد من معاش التقاعد 33.6% من الرجال و6.7% فقط من النساء، ما يضع غالبية هذه الفئة في تبعية شبه كاملة على أسرها. وتطرق التقرير أيضاً إلى الوضع الصحي وظروف السكن، مشيراً إلى أن 18.5% من المسنين يعانون من وضعية إعاقة، وتصل هذه النسبة إلى 38% لدى من تجاوزوا 75 سنة، وعلى الرغم من أن نحو 69.2% من المسنين مشمولون بالتغطية الصحية، يظل الوصول إلى الخدمات الطبية في القرى صعباً، نظراً لبعد المراكز الصحية ونقص التخصصات في طب المسنين. أما فيما يتعلق بالسكن، فيمتلك معظم المسنين مساكنهم، إلا أن التجهيزات الأساسية في القرى، مثل الماء الصالح للشرب وشبكة التطهير، لا تزال ضعيفة، ما يعكس تفاوتاً بين مناطق المغرب. وأشار التقرير إلى أن "رابط التبعية الاقتصادية" سيشهد ارتفاعاً كبيراً من 22.8% حالياً إلى نحو 39.4% في 2050، وهو ما يعني أن عدد الأفراد النشيطين سيصبح أقل مقارنة بعدد المسنين الذين يتعين إعالتهم. وخلص التقرير إلى أن هذا الواقع يستدعي وضع استراتيجيات وطنية شاملة، تشمل مراجعة أنظمة التقاعد، وتعزيز البنى التحتية الصحية، وتوفير برامج اجتماعية متكاملة لضمان شيخوخة كريمة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الجهوية والاجتماعية بين مختلف الفئات من المسنين. واختتم التقرير بالتأكيد على أن الشيخوخة السكانية ليست مجرد تحول إحصائي، بل تمثل اختباراً لمدى قدرة الدولة على حماية حقوق المسنين وضمان مشاركتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم حلول فعالة للهشاشة التي يعانونها، بما يشمل الصحة والتعليم والإدماج المالي والاجتماعي، كما دعا إلى تعزيز البحث العلمي والدراسات الميدانية لمواكبة هذا "التسونامي الديموغرافي" وإيجاد حلول مبتكرة تواكب التحولات المستقبلية.