بعد دخول الملك على خط الأزمة: يوجد ضوء في نهاية النفق.. لكنه باهت

المساء اليوم – ح. اعديّل:

بعد الإشارات المتناقضة التي بعثت بها إسبانيا مؤخرا إلى المغرب من أجل تبديد الغيوم الكالحة في سماء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فإن المسؤولين المغاربة لا يبدو متعجلين من أجل استعادة العلاقات بأي ثمن، ويضعون شروطا “افتراضية” تتظاهر إسبانيا بعدم استيعابها.

وفي الأيام القليلة الماضية، بعثت إسبانيا برسالتين إيجابيتين مباشرة إلى الرباط، الأولى تمثلت في كلمة العاهل الإسباني، فليبي السادس، عن العلاقات المغربية الإسبانية خلال استقباله سفراء أجانب، والثانية بعد أن زار الملك جناح المغرب في المعرض الدولي للسياحة بمدريد، وهي لفتة كان من الضروري الانتباه إليها من جانب وسائل الإعلام المغربية والإسبانية والدولية.

وبدا من خلال ولوج الملك فليبي شخصيا على خط الأزمة المغربية الإسبانية، أن هناك إحساسا بعدم قدرة الحكومة الإسبانية على فهم ما يريده المغرب من الدبلوماسية الإسبانية، أو أن هذه الأخيرة تتظاهر بعدم فهم رسالة مغربية تقول إن تطبيع العلاقات بين البلدين لن يتم من دون تغيير ملموس في الموقف الإسباني من قضية الصحراء.

وكان المتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بيتاس، طلب مؤخرا من الحكومة المغربية المزيد من الوضوح من أجل تخفيف الاحتقان في العلاقات بين الطرفين، وهو كلام جاء مباشرة بعد الإشارات الملكية الإسبانية نحو المغرب.

ولا يبدو المغرب مستعدا لتفويت فرصة تاريخية لكسب موقف إسباني إيجابي من قضية الصحراء، وهو ما أشار إليه بيتاس عبر الإشارة إلى خطابات سابقة للملك محمد السادس حول العلاقات بين البلدين، حين تحدث عن رغبة المغرب في بناء علاقات استراتيجية مع إسبانيا، بشرط أن تكون هذه العلاقات مبنية على أساس الوضوح والطموح.

ومباشرة بعد تصريح المتحدث الرسمي المغربي، جاء تصريح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في لقائه التلفزيوني مساء الأربعاء حول حصيلة حكومته للمائة يوم الماضية، حين ربط، بشكل عام، بين العلاقات الخارجية وقضية الصحراء.

وقال أخنوش “من أراد أن يعمل مع المغرب في سياسته الخارجية عليه أن يعرف أمرين سبق للملك محمد السادس أن ذكرهما في خطاباته، وهما الوفاء والطموح”. وأضاف “لو حضر الوفاء فيمكن أن يكون هناك طموح كبير لنسير معا في مشاريع كثيرة وتكتلات مستقبلية”.

ولم يكن هذا الكلام يعني سوى العلاقات المغربية الإسبانية، وأيضا كان تلميحا للتحسن الملحوظ في العلاقات بين الرباط وبرلين، بعد أن عبرت ألمانيا عن موقف إيجابي رسمي من قضية مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، والذي طرحه المغرب منذ سنة 2007، وصار اليوم يحظى بقبول دولي مطرد.

ولا يبدو، من خلال الإشارات المغربية نحو إسبانيا، أن الرباط سترضى من مدريد بأقل من المبادرة الألمانية بخصوص الصحراء، غير أن العناد الإسباني صار العامل الرئيسي في إطالة أمد الأزمة بين البلدين.

ويبدو أنه في نهاية النفق قد يوجد ضوء، فقد ظل العاهل الإسباني، فليبي السادس، في منأى عن التدخل في العلاقات بين بلاده والمغرب، خصوصا وأن الدستور الإسباني لا يمنحه الكثير من الصلاحيات في هذا المجال، لكنه قد يعود إلى أعراف إسبانية راسخة مع المغرب عبر تدخل ملكي حين تسوء العلاقات كثيرا بين ضفتي مضيق جبل طارق، مثلما حدث خلال أزمة جزيرة “تورة” صيف 2002.

ويدرك ملك إسبانيا أن النية الحسنة لا تحقق الكثير من الأمنيات، لذلك فإن تصريحه الأخير حول المغرب وزيارته لجناح المغرب في المعرض السياحي قد لا تفي بالمطلوب إذا لم تسر الحكومة الاشتراكية على خط مواز عبر التخلي عن حيادها السلبي بخصوص الصحراء وتتبنى “وجهة نظر” تميل أكثر نحو محاولة إنهاء هذه القضية التي دامت أكثر من اللازم.

ضوء نهاية النفق قد يصبح أكثر وضوحا مع التصريح الأخير لرئيس الدبلوماسية الإسبانية، خوسي مانويل ألباريس، الذي عبر عنه خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، حين قال إنه “ينبغي وضع حد لنزاع الصحراء الذي دام خمسين عاما، وليس من المنطقي أن يستمر نصف قرن آخر”.

تصريح ألباريس، قد يكون الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة على اعتباره يبدو مرنا ويحمل بعض الإشارات الإيجابية بالنسبة للمغرب، كما أنه جاء مباشرة بعد لقاء المسؤول الإسباني بالحكومة الأمريكية، التي اعترفت بمغربية الصحراء قبل بضعة أشهر، إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو اعتراف حافظت عليه إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.

وفي كل الأحوال، فإن الوضع لا يزال مفتوحا على كل الاحتمالات، فلا الحكومة الاشتراكية مستعدة لتغيير موقفها جذريا من موضوع الصحراء، ولا هي تستطيع تحمل تبعات أزمتها الدبلوماسية الطويلة مع المغرب، ولا هي مستعدة للصدام مع رغبة الملك فليبي في تسريع التطبيع مع الرباط.

إنها متاهة كبيرة قد تدفع حكومة بيدرو سانشيز إلى اتخاذ قرار صعب، لكنه تاريخي، ليس فقط لتطبيع علاقاتها مع جارها الجنوبي، بل أيضا، للمساهمة في إنهاء نزاع طال أكثر من اللازم.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )