ترامب يعزّز رهانه على المغرب بتعيين سفير من دائرته الموثوقة

كريم بريم

 

التعيين الأخير لـ ديوك بوكان الثالث سفيراً جديداً للولايات المتحدة في الرباط ليس مجرد خطوة دبلوماسية عادية، بل هو ـ في رأيي ـ إعلان عن نوايا واضحة.

 

ففي لحظةٍ يعيش فيها المشهد الجيوسياسي في شمال إفريقيا حالة إعادة تشكيل عميقة، اختارت واشنطن أن تضع في المغرب أحد أقرب المقربين من الرئيس دونالد ترامب، في خطوة تمنح المملكة المغربية ثقلاً غير مسبوق في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة.

 

لا نتحدث هنا عن دبلوماسي محترف، بل عن رجل مالٍ ونفوذٍ واسع، شغل سابقاً منصب السفير في إسبانيا، ويُعتبر من الشخصيات الأساسية في آلية الحزب الجمهوري.

 

لم يصل بوكان إلى الرباط صدفةً، فهو أهم جامع تبرعاتٍ للحزب الجمهوري، وشخصٌ له وصول مباشر إلى المكتب البيضاوي. أن يكون هو ممثل واشنطن في المغرب يعني أنّ ترامب يثق تماماً في علاقته مع الملك محمد السادس ويرى في الرباط شريكاً إستراتيجياً على المستويين العسكري والتكنولوجي.

 

خلال فترة عمله في مدريد، أظهر بوكان ميلاً واضحاً إلى دبلوماسيةٍ براغماتية ترتبط أساساً بالمصالح الاقتصادية الأمريكية. أما الآن فمهمته تختلف: تعزيز العلاقة مع بلدٍ نجح في ترسيخ نفسه جسراً بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي. لقد أصبح المغرب منصةً للاستقرار وشريكاً موثوقاً في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وهي خصائص تقدّرها واشنطن أكثر من أي وقت مضى.

 

ومع ذلك، فإنّ لهذا التعيين قراءة أوسع. فمن الناحية الرمزية والسياسية، فإنّ كون السفير في الرباط يتمتع بنفوذٍ أكبر في البيت الأبيض من نظيره في مدريد – بنيامين ليون، وهو أيضاً رجل أعمال جمهوري لكن دون قربٍ شخصي من ترامب – يعكس تحولاً في موازين العلاقات. إنها إشارة تحذير لإسبانيا التي قد ترى كيف يكتسب المغرب مساحة أوسع في التواصل المباشر مع الولايات المتحدة في القضايا الإقليمية.

 

ترامب، المخلص لأسلوبه، يعود ليُراهن مجدداً على الولاء الشخصي كأداةٍ للسياسة الخارجية. وبوكان يُجسّد هذا النمط من الحلفاء الموثوقين، بخطةٍ واضحة: تعزيز التعاون الدفاعي، وفتح آفاقٍ جديدة للاستثمار، ومواجهة النفوذ الصيني والأوروبي في شمال إفريقيا. في هذا السياق، تبرز الرباط كشريكٍ أولوي ومركزٍ طبيعيٍ لعمليات واشنطن في القارة.

 

من منظورٍ جيوسياسي، تؤكد هذه الخطوة الدور الذي يلعبه المغرب كنقطة ارتكاز إستراتيجية بين الأطلسي والمتوسط، وتُظهر أن الدبلوماسية الأمريكية تنظر إلى الجنوب بمزيجٍ من البراغماتية والرؤية بعيدة المدى.

 

أما بالنسبة للمملكة المغربية، فهي فرصة ثمينة لتعزيز قيادتها الإقليمية.

وأما لإسبانيا، فهي دعوة للتفكير والتأمل: فميزان القوة في مضيق جبل طارق لم يعد يُقاس بالقرب الجغرافي فقط، بل بمقدار النفوذ داخل واشنطن.

 

* كاتب صحافي إسباني

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )