عبد الله الدامون: damounus@yahoo.com أزور إسبانيا منذ ثلاثين عاما، وحين أغيب عنها لبعض الوقت أفاجأ بتغيرات كثيرة، ليس على مستوى الاقتصاد والبنى التحتية، فهي متواصلة باستمرار مثل أوربا كلها، لكني أجد تغييرات على مستوى سلوك البشر. ففي كل يوم يصبح سلوك الإسبان أسوأ تجاه جيرانهم الجنوبيين. في المطارات والموانئ لم أكن أجد الكثير من التعقيدات الأمنية، وكان المرور سلسا، نسبيا، والحذر غير مبالغ فيه، ثم تغيرت الأشياء فجأة، وهذا شيء طبيعي مع نمو المخاطر الأمنية التي ترعب العالم أجمع، لكن ما يرعب الإسبان أكثر هو رؤية أناس مختلفين يدخلون مطاراتهم وموانئهم، ويصبحون أكثر انزعاجا مع جيرانهم المغاربة. في آخر زيارة لي لإسبانيا، وكانت قبل زمن "الكوفيد" بوقت قصير، لاحظت تناميا مفجعا في الكراهية، ففي المطارات والموانئ يتعامل الأمنيون والموظفون والعمال الإسبان مع المغاربة بكراهية غير مفهومة، قد يفعلون ذلك مع كثير من القادمين من بلدان الجنوب، لكنهم يخصون المغاربة بنسبة أكبر من الكراهية المقززة. كان التوفر على جواز سفر وتأشيرة سليمة ووثائق سفر متكاملة كافيا لكي يبعد عنك تلك الأسئلة المستفزة لموظفي المطارات في إسبانيا. لكن الآن تغير التعامل بشكل مرعب. وأنت تسلم جواز السفر للموظف، لا بأس أن يرمقك بعين شكّاكة وكأنك جئت لاختطاف قصر الحمراء وحمله على ظهرك والعودة جريا إلى المغرب. يسألك الموظف لماذا جئت إلى إسبانيا. هذه البلاد تستقبل كل عام قرابة 70 مليون سائح، لكن موظف المطار لا يسأل أحدا من السبعين مليون سائح، يسألك أنت المغربي عن سبب الزيارة، حتى لو كنت مستعدا لإنفاق عشرة أضعاف ما ينفقه سائح أمريكي أو فرنسي بخيل. في مطار برشلونة سألني موظف التأشير على الجوازات عن سبب الزيارة، وعندما أجبته وجه لي سؤالا ثانيا: هل تعجبك إسبانيا..؟ ذكّرني بالإنشاء حول فصل الربيع. خمّنت أن الموظف يريد أن يتسلى قليلا، فأجبته وفق نظرية "الفقر والشجاعة": يعجبني المغرب أولا وأخيرا.. بعدها كان علي أن أقدم للموظف كل ما يلزم من وثائق حجز الفندق ومقدار المال معي ودعوة الأصدقاء في لقاء عمل، وتوقفت الحركة في الطابور حتى يرضي الموظف نرجسيته الغريبة. لكني كنت سعيدا بما جرى وتوقعت ألا يعود ذلك الموظف الأبله إلى طرح ذلك السؤال البليد. هذا مثال عن حالة تتصاعد في الجارة الشمالية. ومع استقواء الحزب اليميني المتطرف "فوكس" صارت الأمور أعقد.. ومع ما جرى مؤخرا بين المغرب وإسبانيا ستكون الأمور أعقد بكثير مستقبلا. اليمين المتطرف في إسبانيا لم يكن في حاجة إلى تبريرات لكي يُصعّد خطابه العنصري تجاه المغاربة. فقد جاء سانتياغو أباسكال إلى سبتة قبل سنتين وطالب بإقامة جدار حول المدينة، وحاول أن يتقمص شخصية دونالد ترامب مع المكسيك، وقال إن المغرب هو من يجب أن يموّل بناء الجدار. المشكلة مع اليمين العنصري في العالم أنه غبي، لكن حين يكون اليمين المتطرف إسبانيّا فإنه يصبح أكثر غباء. مع ما جرى ويجري مؤخرا يمكننا أن نتوقع الكثير، ليس فقط من حزب يميني متطرف، بل أيضا من الكثير من الإسبان الحاملين لعقد تاريخية مزمنة تجاه المغرب، وسيفاجئنا المتطرفون بجرعات زائدة من الكراهية مستقبلا. فالعقدة مزمنة فعلا، والجدران التي لا يستطيعون بناءها على الأرض.. يبنونها في عقولهم.. وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث.