نهى الخطيب لاحديث هذه الأيام إلا عن الجيل "زد" Generation Z الذي استقطب أنظار الرأي العام، وحاز على المانشيطات الرئيسية في كبريات الجرائد الوطنية والعربية وحتى الدولية ، وأشعل مواقع التواصل الإجتماعي بتحركاته غير المسبوقة في المغرب. من هو الجيل " زد " ولماذا التصقت هذه التسمية بهذا الجيل تحديدا؟! هي المجموعة الديموغرافية التي تلي جيل الألفية وتسبق جيل"ألفا"، لذلك يطلق عليه الإعلام الغربي والدراسات الديموغرافية إسم جيل Z وهناك تسميات بديلة أخرى؛ ويرجع اختيار حرف Z إلى الإستمرار الأبجدي بعد X ثم Y، اختيرت له هذه التسمية لأنه أول جيل تفتحت أعينه في زمن الهواتف الرقمية الذكية وسرعة وتيرة التطور التكنولوجي وانتشار شبكات التواصل الإجتماعي وعلى رأسها " التيك توك " الذي وفّر له منصّة للإبداع والتعبير عن الذّات بكل الوسائل من خلف الشّاشة. يتميّز جيل Z بمهارات تقنية عالية وقدرة على التكيّف مع التكنولوجيا، ويشعر أفراده بارتياح كبير في استخدام مجموعة من الأدوات والمنصات الرقمية. من أبرز معاناة هذا الجيل أنه يتعرّض لسخرية واستهزاء وضغوط نفسية في الدارسة والبيت والشارع وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، السخرية والتذمّر والإنزعاج والغضب من أسلوب حياته ولباسه وأفكاره وتصرّفاته مما يشعره بالخوف الذي يدفع معظمه للإنعزال والتّواري والإبتعاد عن التفاعل الإجتماعي الحقيقي مع المجتمع، مايؤدي بدوره إلى فقدان الإحساس بالحياة الواقعية، وضعف مهارات التفاعل الإنساني، لأن غالبية تواصله مع الآخرين تكون عبر الرسائل والتطبيقات، فهو "جيل آخر زمن" و"شباب هذه الأيام". هل سألنا أنفسنا يوما لماذا يشعر هذا الجيل بالعجز وفقدان السيطرة على الحياة مثل أجيال الألفية السابقة، لأنه تعرض لأحداث عالمية كبرى في سنوات التكوين _نتحدث عن الفئة العمرية مابين 13و28 عاما_ من هذه الأحداث: 1) جائحة كورونا التي فرضت أجواء من العزلة خاصة لمن عاشوا سنوات المراهقة أو التعليم الثانوي الذي كان افتراضيا ، قلّت فرص التفاعل الإجتماعي عندهم وبالتالي تلاشت لديهم مهارات التواصل والعلاقات الإنسانية الواقعية. 2) الأزمات الإقتصادية والسياسية الوطنية والعربية والدولية وحروب الإبادة التي شكلت لديه شعورا باللايقين. 3) القلق البيئي، نعم القلق البيئي الناتج عن التغيّر المناخي والشعور بالعجز تجاه الوضع ينعكس سلبا على نومه وتغذيته ومزاجه اليومي. 4) التعرض المفرط للأخبار السيئة والكوارث نتيجة الوصول السهل للمعلومة بواسطة الأنترنيت أدى إلى تدهور حالته النفسية وإحساسه المستمر باليأس والإحباط وقلّة الحيلة. 5) الشعور بالوحدة حتى داخل الأسرة ، التي انشغلت عن أبنائها بالجري وراء المال من أجل تأمين مستقبلهم ، أو بتفككها عن بعضها نتيجة مشاكل بين أفرادها الأساسيين وهما الأب والأم. هذا التفكك والانفصام وانقطاع الأوصال التي تربط بينها وبين مجتمعها الصغير،خاصة الترابط العاطفي والروحي الذي كان فيما مضى إلى جانب تقارب الرأي والفكر سبلا لتقدم المجتمع الدائم والمستمر وبنائه ، لكن مع التطور المادي والتنكر للطبيعة الإنسانية بدأ الشتات في غياب الأمومة الحقيقية الحاضنة والأبوة الراعية المراقبة والمتتبعة والإعلام الهادف والمدرسة الداعمة. إن نظرتنا لهذا الجيل على أنه "جيل آخر زمن"، كتعبير ساخر، تحوّل إلى استفزاز شائع متداخل في صلب الثقافة المجتمعية ويمكن ربطه بالإعتقاد أن الماضي بشكل عام كان أفضل، باعتباره يوحي بالأمان في اللاوعي البشري ، لكن الحقيقة غير ذلك ، كلّ جيل يتشكل بظروفه وتحدّياته الخاصة، هذا الجيل " Z " أيضا سيكبر وسيكتشف مع الأيام أن أبناءه ليسوا مثله ، لهم استقلاليتهم، لهم أحلامهم وقضاياهم، لايفكرون مثله ولايتصرفون نفس تصرفاته ولايواصلون التشبت بتقاليده وعاداته وأعرافه، حينها أيضا سيشعر بالخيبة ويطلق انتقادات وأحكام سلبية ليس فقط على أبنائه بل على جيل الشباب الجديد بأكمله. يجب أن نقتنع بأن جيل Z ليس مجرد مجموعة من الشباب الصاعدين التافهين الذين لاهَمَّ يشغلهم غير التسلية السريعة والمحتويات السطحية والمواضيع الفارغة والتركيز على المظاهر والهروب من القضايا العميقة، بل أغلبهم وعلى الرّغم من كل الظروف الإجتماعية والبيئية والمادية والسياسية والمعاناة التي ذكرنا، قوة قادرة على إعادة تشكيل ملامح العالم في العقد المقبل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، مجموعة تتسم بخصائص مهمة في سوق العمل _الذي تراهن عليه الدول المتقدمة_ مثل : البراعة التقنية والمرونة والقابلية للتكيف والنزوع لريادة الأعمال الإبداعية إضافة إلى قدرة أكبر على أداء مهام متعددة في وقت واحد، مجموعة تستحق الدراسة والفهم لأن عقليتها تختلف جذريا عن عقلية من سبقوها سواء من حيث التفكير أو العيش بل وحتى القيم التي تؤمن بها والحوافز التي تدفعها للتحرك والتفاعل مع الأحداث من حولها وفي العالم عموما، هذه المجموعة واعية أيضا بقيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان رغم استقلاليتها ونزوعها إلى الإعتداد بقيمها الخاصة. يقول أستاذ العلوم السياسية رشيد لزرق إن جيل Z في المغرب يعكس اختلافا واضحا في المنظومة الثقافية والقيمية مقارنة بالأجيال السابقة، إذ نشأ في بيئة رقمية مفتوحة على قيم الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية والمساواة، موضحا أن انكشافه على تجارب شبابية عالمية من خلال الأنترنيت عزّز لديه الشعور بالإنتماء إلى جيل كوني، لكنه في الوقت ذاته زاد إحباطه حيث يصطدم بواقع محلي لا يرقى إلى توقعاته. هذا الجيل يعيش كتلة من الصراعات النفسية الداخلية بين الهوية وإثبات الذات، وبين التمسك بالقيم والعادات والمواريث؛ يعيش مشاعر رفض لكل ماهو قديم رجعي ويستغني عن التمسك به؛ لايتقبل فكرة العيش في جلباب من سبقوه وتحت وصايتهم، إنه جيل يحتاج إلى تفهم وتعاطف حقيقيين نظرا للتحديات التي يعيشها، وإلّا سنُفاجأ بأجيال تبدأ من جديد متجاهلة كل شيء . وختاما، أمني نفسي وأبشرها وكلّ من يتسم الخير في هذا الجيل بولادة بشائر متفائلة بأن بعض خيوط الفجر بدأت بدغدغة أسراب الليل المدلهم، وأن المستقبل طالما تضع أسسه أيدي لها الخبرة والتجربة في التأطير، فالنجاح ليس علينا ببعيد.