حفيظ العلمي.. محط إجماع.. أم مثار جدل..؟

قلما اتفق المغاربة على وزير أو سياسي في حكوماتهم المتعاقبة، لكن في حالة وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي، فالأمر مختلف، فالرجل حظي باحترام المغاربة وتقديرهم، لإيمانه بقدرة بلده ومواطينيها على رفع التحدي وتحقيق الكثير في وقت راهن البعض على استحالة ذلك.

مواقع التواصل الاجتماعي ضجت مؤخراً بكلمات التقدير والإعجاب في حق الوزير السابق، بعضها أقرب للغزل، بعد أن تم تداول فيديوهات تسليم السلط في وزارة الصناعة والتجارة، حيث لم يستطع الرجل التحكم في دموعه، وأجهش بالبكاء خلال مراسيم التسليم، حتى أن بعضهم علق على الأمر بالقول، “بوكوص وحنين”.

يصفه البعض بـ”قائد الثورة الهادئة في قطاعات الصناعة والاستثمار والتجارة بالمغرب”، وارتبط اسمه بتنزيل مخطط “التسريع الصناعي”، الذي يرعاه الملك محمد السادس.

ويُعتبر العلمي من السياسيين المغاربة القلائل، الذين يعملون في صمت بعيدا عن “الدعاية الإعلامية”، بصم مساره المهني في القطاعات الوزارية التي أسندت إليه بالتميز، وجعل الكثيرين، الخصوم قبل الأصدقاء، يشيدون بـ”دهائه الاقتصادي” الذي استثمره حين تقلد مناصب حكومية.

يُشهد له بالعمل على إقناع كبار المستثمرين الأجانب بالاستثمار في المغرب واكتشاف المؤهلات التي تتوفرها عليها البلاد، فالمراكشي الذي لا تُفارق البسمة وجهه، حازم وصارم حين يتعلق الأمر بالعمل، لا يحبذ المزايدات، ولا يجيدها بشهادته، فهو من رد على سؤال بالبرلمان، حين اتُهم بعدم الإكثرات بالمواطن المغربي، قائلاً “إيلا كاين شي معقول نجاوب عليه أما المزايدات ماعنديش فيها خبرة، أنا مغربي كنعرف طقوس بلادي ما تقوليش ماكنعرفهاش وكنعرف البيصارة وكبرت بها انا ولد مراكش وولد جامع لفنا”.

يُفضل الوزير السابق التعريف بنفسه كرجل أعمال عصامي، بحكم أن والده لم يخلف وراءه إلا ضيعة صغيرة بنواحي مراكش. العلمي الذي حصل على شهادة في نظم المعلومات بجامعة “شيربروك”، شغل فيها أيضا منصب مدير كلية الإدارة، قبل أن يستهل مساره المهني بكندا كمستشار لدى وزارة المالية بكيبيك، ليتولى بعدها منصب مدير نظم الإعلام في شركة كندية للتأمين.

بعد عودته الى المغرب، التحق بمجموعة (أونا) التي تولى فيها منصب الكاتب العام إلى جانب منصب المدير العام لفرعها في مجال التأمين. وفي سنة 1995 أحدث شركته الخاصة، كفاعل رئيسي في مهن الخدمات (المالية، التأمين، قروض الاستهلاك … الخ)، وهي مجموعة كبرى تمكنت من اقتناء شركتين مغربيتين هامتين في مجال التأمين، فضلا عن مجموعة إفريقية للتأمين.

يُحسب له دفاعه المستميت على دعم الاقتصاد المحلي المغربي وسمعته في الخارج، فلا أحد ينسى، حين واجه وزيرة التجارة والصناعة المصرية نفين جامع خلال قمة رقمية و”فجر” مستورَ ما سمَّاه “الانسداد” الذي يطبع المبادلات التجارية بين المغرب ومصر، متهماً القاهرة بعرقلتها الصادرات المغربيَّة وتزييف واردات المغرب من هناك بوضع علامة “صنع في مصر” على منتجات في الحقيقة صينيَّة وتصديرها نحو المغرب.

العلمي شدد حينها على أنه إذا تمت عرقلة دخول المنتوجات المغربية لثلاثة أشهر فستجري معاملة المنتوجات المصرية بنفس المعاملة، قائلاً إنه لا “يمكن السماح بدخول المنتوجات المصرية في حين أن المغربية تجري عرقلتها”.

رجل أعمال عصامي، لا يخفى تمرسه على إدارة وتدبيره للملفات الكبيرة، يُعرف عنه حسن الإدارة والقدرة على تدبير التحالفات والدهاء السياسي، الشيء الذي أفاده كثيراً في تدبيره لشؤون وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، وهو ما مكنه من أن يكون أحد أنجح وزراء حكومتي ابن كيران والعثماني حضوراً ونجاحا وشعبية.

كان أول من حذر مما سمي وقتها “خطورة الغزو التركي” للأسواق المغربية، ما يُهدد المنتجات المغربية، ومعها مئات الشركات التي تُشغل عشرات الآلاف من العمال، ليتم بعدها التوصل لاتفاق مع تركيا لإعادة النظر في اتفاقية التبادل التجاري التي تجمع البلدين.

لكن في مقابل ذلك، فإن الجدل رافق بيع حصته في شركة “سهام” للتأمين لمستثمرين من جنوب إفريقيا، حين كان وزيراً للتجارة والصناعة، واتهامه بالعمل على استفادة المؤسسة التي يملكها من وضعية جمعية حاصلة على المنفعة العامة، وذلك بعد أن قام محمد بوسعيد، بالتنصيص على إعفاء مثل هذه العمليات من الرسوم الضريبية في قانون المالية لسنة 2018، ما جر على بوسعيد، الإعفاء من منصبه “في إطار تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة”، كما جاء في بلاغ للديوان الملكي.

العلمي أيضاً لم يسلم من من احتجاجات أرباب مؤسسات النسيج في طنجة في ماي 2020 في عز جائحة كورونا، حين طفت على السطح احتجاجات أرباب مؤسسات النسيج بعد أن اكتشفوا أن محمد بوبوح، رئيس الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة، استغل صداقته مع العلمي للحصول على “امتياز” تصنيع الكمامات المُعدة للتصدير، في الوقت الذي كانوا يعانون من أزمة غير مسبوقة بسبب توقف النشاط الاقتصادي.

لكن ورغم كل ذلك، فالصدى الإيجابي الذي خلفه الوزير السابق، وتفانيه في عمله، جعل غيابه عن التشكيلة الحكومية الجديدة يُثير الكثير من التساؤلات، حيث ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بمتمنيات المغاربة ببقاءه في الحكومة أو تقلده أي منصب مهم، وذلك بعد أن تحسسوا فيه صفة التحدي وكسب الرهانات، والإيمان بقدرة المغرب والمغاربة على تحقيق “المعجزات”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )