عبد الله الدامون قبل وخلال وبعد تعيين الحكومة الجديدة، برئاسة عزيز أخنوش، قيل الكثير عن توجهاتها المستقبلية، من بينها أنها حكومة ستطبق النموذج التنموي، أو على الأقل، ستحاول تطبيقه، ما دام أنه استحال تطبيق أي نموذج تنموي حقيقي في البلاد منذ قرابة سبعين عاما من الحصول على الاستقلال، ويحاولون اليوم تطبيقه في بضعة أشهر. حتى الآن فإن النموذج التنموي لحكومة أخنوش لا يحمل الكثير من التنمية، بل هناك فقط الكثير من الاستفزاز والكثير من القرارات غير المفهومة والكثير من الارتجال. إنها واحدة من الحكومات الأكثر ارتباكا في أشهرها الأولى. لا أحد من المغاربة فهم معنى فرض حكومة النموذج التنموي لجواز التلقيح وتحويل حياة ملايين الناس، بمن فيهم من تلقوا التلقيح، إلى جحيم حقيقي.. هناك تفسير واحد فقط لما جرى، وهو تفسير شبه عبثي لقرار عبثي، وهو أن حكومة "النموذج التنموي" نمت في رأسها، فجأة، فكرة عاجلة باتخاذ قرار عاجل بتحويل حياة الناس إلى جحيم عاجل. نفس الحكومة، أي حكومة النموذج التنموي، قدمت هدية ثقيلة للمغاربة حين ارتفعت بشكل صاروخي كل أنواع المواد الاستهلاكية، وعلى رأسها المواد الأساسية، وذلك بعد أيام قليلة فقط من تعيين الحكومة، في وقت تعاني الأغلبية الساحقة من المغاربة من ضيق ذات اليد بفعل ظروف الجائحة وبفعل أشياء أخرى مرتبطة بالفيروس البشري أكثر من الفيروس المرضي. هناك أشياء أخرى ينبغي المرور عليها مر الكرام أمام حكومة غير كريمة، بل مجحفة، منذ أيامها الأولى، لكن هناك أشياء لا ينبغي التغافل عنها، مثل القرار الأخير بوضع شرط عدم تجاوز الثلاثين لاجتياز مباريات ولوج مهنة التدريس. الناس قالوا ما يكفي حول الموضوع، لكن ما يهم أكثر هو أنه بضعة أيام بعد ذلك ظهر إعلان مباراة لولوج مهن قضائية، ومن بين الشروط الأساسية في المباراة هي عدم تجاوز سن الثلاثين، مع وضع استثناء شبيه بالاستثناء في مجال التعليم، وهو رفع السن إلى الأربعين بالنسبة لمن يمارسون المهنة أصلا، في أحد فروعها. القضية الآن تبدو أوضح، وهي أن قرار "ما دون الثلاثين" سيصبح شاملا في وقت قريب، وكل من ارتفع عمره عن هذه السن فلا جمعة له، ولا ينقصنا اليوم إلا أن نردد مع الحكومة أغنية "الزّين فالثلاثين".. هناك مسألة أخرى تقض المضاجع وتوقظ المواجع، وهي أن الناس صاروا يتحدثون عن "بنود سرية" في النموذج التنموي، وكأنهم يتحدثون عن البنود السرية في الاتفاقات النووية، ومن بين هذه البنود أن تعمل الحكومة الجديدة ما فعلته من قبل حكومتا بنكيران والعثماني، لكن بطريقة مختلفة، أي تصفية عدد من القضايا المصيرية بشكل نهائي، من بينها وضع "من فوق الثلاثين" خارج حلبة الصراع من أجل الوظيفة العمومية. طبعا، لسنا من أولئك الذين يتطرفون لصالح الوظيفة العمومية، التي صارت شكلا من أشكال الريع، بل نقول إنه كان من الأفضل أن تطبق حكومة أخنوش لعبة التوازن عوض تطبيق نظرية الصدمة، ففي البداية والنهاية فإن المغاربة يعرفون أن رؤساء الحكومات صاروا فقط "يتسخّرون" ويطبقون الإملاءات المفروضة عليهم، ولا فرق بين عباس الفاسي وعبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني وعزيز أخنوش... damounus@yahoo.com