عبد الله الدامون كتبت هذا المقال قبل خمس سنوات، وبالضبط في 12 أكتوبر 2016. اليوم، أعيد نشره كما هو، من أجل بعض العبرة: أتذكر، قبل حوالي 15 سنة، التقيت سفير جمهورية الشيلي في الرباط. جلسنا لعدة ساعات لأن الحديث كان شيقا ومفيدا. الرجل من عائلة يسارية عريقة وعلى قدر كبير من الثقافة والنضج السياسي ولا يخجل من شيء. فاجأني السفير بكلامه الملطّف عن دكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوشيه، الذي قاد انقلابا دمويا في السبعينيات وقتل رئيس البلاد المنتخب، سلفادور أليندي، وقصف القصر الرئاسي بالطائرات وقفز إلى كرسي الرئاسة من فوهة الدبابة. قال السفير إن الشيليين لا ينظرون كثيرا إلى الماضي بل يفخرون بالحاضر حيث حققت البلاد تقدما كبيرا في المجال الاقتصادي، وجزء كبير من هذا التقدم تم تحت سلطة الدكتاتور بينوشيه، وأضاف "كان للدكتاتورية العسكرية وجهها الإيجابي، صحيح أن العسكر قاموا بانقلاب بشع وقتلوا رئيسا منتخبا يحظى بشعبية كبيرة، لكن بعد ذلك تم وضع البلاد بسرعة على سكة نمو اقتصادي سريع، وصرنا ننافس الدول المصنعة في أشياء كثيرة، ولم تقهرنا الجغرافيا التي وضعتنا بين الجبل والبحر، بل جعلنا منها حافزا نحو التقدم، وجعلنا من التنوع العرقي والإثني في البلاد محفزا نحو خدمة الوطن وليس من أجل التنابذ أو التنافس على الامتيازات والمصالح، ووصلنا بالتعليم إلى أقاصي الجبال والأودية السحيقة لأنه عصب كل تقدم". ثم قال لي كلمة بليغة "لا يمكنك أن تبني بلدا ديمقراطيا بالفعل ومتطور اقتصاديا وعندك 10 أو حتى 5 في المائة من الأميين". أتذكر اليوم كلام السفير الشيلي بعد أيام قليلة فقط من الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر، وأتساءل هل من الممكن أن نبني ديمقراطية حقيقة في المغرب بأمية تقارب الخمسين في المائة بالبوادي، وتزيد عن الثلاثين في المائة في المدن، وهذه أرقام شبه رسمية قد تكون مخففة. عقب انتخابات الجمعة هاتفني صديق اختار السكن بالبادية بعد تقاعده وقال لي إن كثيرا من سكان منطقته دخلوا مكاتب التصويت وكانوا يسألون عن الطريقة التي سيصوتون بها، فاستغل أشخاص من داخل المكاتب جهلهم ودخلوا معهم المعزل. أما ما جرى في المعزل فإننا لا نتصور، أبدا، أن يكون تصويتا نزيها. إن أول ما يفقده الشخص الأمي هو الكرامة، وفي المغرب قرابة عشرة ملايين شخص بدون كرامة، أي أنهم يفتقدون حتى القدرة على ركوب الحافلة العمومية بشكل سليم، فكيف نطلب منهم أن يصنعوا ديمقراطية حقيقية في البلاد؟ بعد الانتخابات انشغل الناس بالنقاش حول المراتب والتحالفات، وانشغلوا قليلا بالنسبة المتدنية جدا للمشاركين في الاقتراع، لكنهم لم يناقشوا رقما مخيفا، وهو أن أزيد من مليون وثلاثمائة ألف ورقة تصويت تم إلغاؤها، إما بسبب خلل في ملئها، أو لأن أصحابها عبثوا بها أو كتبوا عليها شتائم أو رسموا عليها أشكالا بذيئة. لكن في البداية والنهاية فإن الأمية لعبت دورا كبيرا في ذلك، لأن من يقاطع الانتخابات ولا يعترف بهذه اللعبة السياسية فإنه لا يذهب أصلا إلى مكاتب التصويت، أما أصحاب الأوراق الملغاة فإنهم خليط من الأميين والجهلة، وأيضا الجبناء الذين يخافون بأن يُنعتوا بأنهم قاطعوا الانتخابات. بعد خمس سنوات من الآن، أي في عام 2021، ستجري انتخابات تشريعية أخرى، الانتخابات التي يقال إنها تصنع النخب وتُفرز الحاكمين، وهي انتخابات سيشارك فيها، أيضا، ملايين الأميين، ومع ذلك ننشغل بالحديث عن التحالفات الحزبية للحكومة المقبلة وصراع الكواليس وننسى أن الخمس سنوات تمر في رمشة عين، وأننا إذا لم نبدأ، منذ هذه اللحظة، حملة وطنية حقيقية ضد الأمية فإننا سنصبح شعبا معوقا إلى الأبد، شعب يحتفل بالذكرى الستين لاستقلاله وبه جيوش هائلة من الأميين. كنا نتمنى لو أن الحماس الذي يشتعل فينا من أجل أشياء تافهة، نستغله من أجل أهداف وطنية كبرى، وندخل منذ اليوم تحديا عظيما يتمثل في القضاء النهائي على الأمية في ظرف خمس سنوات، ونصل إلى انتخابات 2021 بشعار "زيرو أمية". نريدها أن تكون حملة وطنية صادقة، نخرج فيها سراح السجناء المتعلمين المدانين بتهم بسيطة إلى البوادي والجبال ليعلموا الناس، ونريد أن يتم الحكم على المختلسين ببناء مدارس عوض سجنهم أو إغماض العين عنهم، ونريد فتح الأبواب لكل المغاربة المتطوعين للقضاء على هذا الورم الخبيث الذي اسمه الأمية، وأكيد أننا لو فعلنا ذلك بوطنية صادقة فسنحقق المعجزة بعد خمس سنوات. لنجرب.. وسنرى. damounus@yahoo.com