المساء اليوم: منذ سنوات طويلة، خضعت تونس لحكم فردي قاس، وكانت من بين بلدان عربية قليلة يغيب فيها صوت الشعب بشكل شبه مطلق، من زمن الحبيب بورقيبة إلى عهد الجنرال بنعلي. لكن تونس لم تكن أسوأ من بلدان عربية كثيرة، لا صوت فيها يعلو على صوت حكامها، ومع ذلك كانت تونس أولى البادئين بموجة "ربيع" واعد بالعطاء، ما فتئ ان تحول إلى صيف قائظ وجاحد. في زمن بورقيبة كانت هناك فعلا هيمنة الحزب الحاكم واستفراد الرئيس وحاشيته بالسلطة، لكن المرحلة لم تكن كلها سوء، ومع ذلك خرج من تحت جلباب بورقيبة الجنرال زين العابدين بنعلي ووعد بتحويل البلد إلى الديمقراطية وحكم الشعب. وحدث ذلك بالفعل وتحولت البلاد بسرعة، ليس نحو الديمقراطية وحكم الشعب، بل إلى دولة فوضى تديرها حلاقة سابقة، هي زوجة بنعلي، التي لم تكن تجد اين تضع أموال الفساد، فتملأ بها تجاويف جدران قصورها. وسط كل هذا العبث جاءت انتفاضة تونس، بعد حادثة البوعزيزي الشهيرة، وبعدها انتقلت العدوى إلى بلدان عربية اخرى، وسمي ذلك ربيعا عربيا، ثم تحول بسرعة إلى دمار عربي، بدعم من نفس الجهات التي زرعت الفتنة في اليمن وليبيا وسوريا ومصر.. وتونس ايضا. كما نتمنى أن تنجو تونس من الحريق، لأن الأطياف السياسية في هذا البلد كانت أذكى من نظيراتها في بلدان عربية أخرى، فتآلفت عوض أن تتقاتل، وعبرت تونس محطات صعبة كادت تنجر فيها لما لا يحمد عقباه. لكن، يبدو أن الاستثناء التونسي انتهى، وانتصر لوبي الفتنة.