المساء اليوم: صارت أخبار الوفيات أكثر من أخبار الولادات، وفي كل يوم تمتلئ وسائط التواصل بالكثير من التعازي وعبارات ألم الفراق، وصباح مساء يتبادل الناس الدعاء بالشفاء ورفع الوباء. أخيرا أصبح وباء كورونا" حقيقة بعد أن فقدت كل عائلة ميتا أو أكثر، وبعد أن جربت الأكثرية الساحقة وحشية هذا الفيروس، بينما كان الناس في الماضي ينكرون وجود الوباء من أصله، فقط لأنهم يسمعون عن الموت عن بعد، وما لا تراه العين لا يصدقه العقل. نحن الآن أمام تفش كبير وخطير للجائحة، ومع ذلك فإن الناس يتصرفون وكأن الموت صار جزءا أساسيا من حياتهم، يتلقون خبر الموت صباحا ويدفنون الميت ظهرا ويتبادلون التعازي عصرا ثم يعودون إلى حياتهم المعتادة ليلا.. وهكذا دواليك. الآن صرنا نفهم أكثر طبيعة النفس البشرية التي يمكنها أن تعتاد أي شيء، بما فيها الأشياء الرهيبة التي كانت تشكل لها رعبا وجوديا كالموت. صرنا نفهم كيف تجاوز أجدادنا اوبئة رهيبة قضت على الملايين، وكيف صار موت المقربين والأحبة طقسا يوميا أمكن تجاوزه. اليوم هناك ما هو أخطر من الموت، الموت جوعا، فالموت الحقيقي، في النهاية، هو ألا تجد ما تطعم به أهلك ونفسك، وأن تستيقظ كل صباح وتسأل نفسك: كيف لي أن أدبر لقمة عيشي هذا اليوم..؟ قد تكون الأيام المقبلة أكثر قسوة، لكن الناس سيعتادونها، وسيستمرون في الاستهانة بالإجراءات الوقائية ويواصلون إقامة الحفلات وارتياد الشواطئ وملء المقاهي والمطاعم والأسواق.. وفي خضم كل هذا.. سيتعايشون مع الموت كما يتعايشون مع أقرب صديق.