المساء اليوم - هيئة التحرير: قد تكون الصدفة وحدها جمعت بين حدثين كبيرين، وقد لا تكون مجرد صدفة. قد يكون القدر. المهم أنه في أقل من 24 ساعة عاش المغرب حدثين بدلالة رمزية كبيرة. في الأول قرر المجلس الوزاري، الذي ترأسه الملك محمد السادس، تخصيص ميزانية غير مسبوقة لقطاعي الصحة والتعليم في مشروع الميزانية للعام المقبل (2026)، أي بزيادة 16 في المائة عن العام الماضي. والحدث الثاني كان غير مسبوق، حين فاز "جيل M"، أو جيل المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة، بكأس العالم في الشيلي، وبقي العالم كله يتحدث عن المغرب، في ليلة بيضاء بلا مثيل، وتحولت مدن وقرى المغرب، ومدن عالمية كثيرة إلى قطعة من البهجة. قد يكون قرار تخصيص ميزانية غير مسبوقة للصحة والتعليم مر بدرجة أقل من الصخب، لكنه لم يكن كذلك بالفعل لمن يتابعون تفاصيل التطبيق الحرفي والواقعي للخطاب الملكي الأخير في افتتاح السنة التشريعية، حين قدم الملك خارطة طريق لم تكن مجرد كلام نهار يمحوه الليل، بل أجندة فعلية بكون المغرب لن يحيد أبدا عن الطريق الذي اختاره، طريق التنمية الشاملة والهادئة والمتزنة، وفي صلبها ملف الدولة الاجتماعية، وهو ملف قد تتبناه الحكومات، لكنه في صلب عمل الدولة رغم تغير الحكومات والوزارات. بيان وزارة التشريفات والقصور الملكية، الذي تلا المجلس الوزاري، يتضمن أرقام فصيحة، ورسالة واضحة بكون الخطاب الملكي الأخير هو خارطة طريق لا تجيب فقط على الاحتجاجات الأخيرة ومطالبها الاجتماعية، بل تكرس نهجا مستمرا بكون المملكة اختارت عدم الالتفات إلى الوراء والسير قدما إلى الأمام. وحسب البيان فإن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يقوم على عدة أولويات، إحداها تتضمن "تعزيز المجهود الميزانياتي المخصص لقطاعي الصحة والتربية الوطنية"، ليصل إلى ميزانية قدرها 140 مليار درهم، بالإضافة إلى إحداث أزيد من 27 ألف منصب مالي لفائدة القطاعين. وأضاف البيان أنه بالنسبة لقطاع الصحة، سيتم التركيز على تحسين العرض الخاص بالبنيات التحتية الصحية، وذلك من خلال افتتاح مركزين استشفائيين جامعيين بكل من أكادير والعيون، واستكمال أشغال بناء وتجهيز مركز استشفائي في الرباط. كما ستتم مواصلة أشغال بناء مراكز استشفائية جامعية في مدن أخرى (مثل بني ملال وكلميم والرشيدية)، إضافة إلى إطلاق عملية تأهيل وتحديث 90 مستشفى. أما بالنسبة لقطاع التعليم، فأشار البيان إلى أن الجهات الحكومية ستعمل خلال عام 2026 على تسريع تطبيق "خارطة طريق" لإصلاح المنظومة التربوية، من خلال تسريع تعميم التعليم الأولي وتعزيز خدمات دعم التمدرس وتحسين جودة التعليم. هذه القرارات جاءت بعد وقت وجيز جدا من الخطاب الملكي الذي دعا إلى الإسراع في الإصلاحات لتوفير الوظائف للشباب وتحسين الخدمات العامة وتنمية المجال القروي، محذرا من أي تهاون في كفاءة الاستثمار العمومي ومحاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات. كل هذا جاء بتزامن مع الإنجاز المذهل لشباب قدموا أروع الأداء وحصدوا أجمل النتائج في ليلة تاريخية لا تُنسى، وتحول المغرب إلى حديث العالم. لم تعد الكرة مجرد لعبة، بل هي استثمار اقتصادي ورياضي وإنساني وثقافي، لذلك فإن الفوز بكأس العالم للشباب في الشيلي يعني أكثر بكثير من مجرد لقب، إنه فوز بكل الألقاب.. فيمكن لبلد أن يصرف أموال قارون من أجل أن يمتدحه العالم، لكن الكرة تفعل ذلك بسحرها الخاص. وعندما اختار المغرب تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم، وبعدها مونديال 2030، مع إسبانيا والبرتغال، فإنه اختار في الأصل الاستثمار في التنمية المستدامة وتحويل البلاد إلى أوراش سريعة في كل المجالات. بيننا وبين المونديال 5 سنوات، وهو زمن تنموي على قدر كبير من الأهمية، و خلاله سيتم اختزال الكثير من المسافات الزمنية، وسيتم في هذه المدة تحقيق ما كان مفترضا تحقيقه في 10 أو 20 سنة، وفي النهاية سيبقى كل شيء هنا، ليس الملاعب فقط، بل الطرقات والمواصلات والمستشفيات وكل المرافق. فالمونديال، في النهاية، تنمية سريعة مصحوبة بالكثير من الصخب، والبهجة أيضا. إنها فعلا لحظات استثنائية بعد أيام قليلة من خطاب ملكي بليغ، اختتمه الملك بالآية الكريمة "ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".. وإذا كان الأخيار هم الأصل، فنتوقع أن يكون الأشرار قد فهموا المعنى جيدا.. فالتنمية لا تسير جنبا إلى جنب مع المفسدين.. والأيام بيننا..