بن كيران الزَعيم ولو إلى حِين

المساء اليوم – حسنية أسقال:

عاد عبد الإله بن كيران إلى الأمانة العامة لحزب “العدالة والتنمية” من البوابة الواسعة، بعد أجواء مؤتمر استثنائي عاصف وصاخب، دفعت العديدين في الحزب وخارجه، إلى اعتباره المؤتمر الأخطر في تاريخ “العدالة والتنمية”.

قياديو “العدالة والتنمية” الذين طالبوا من قبلُ مناصريه إلى طي صفحة بن كيران بشكل نهائي، “باعتبار أن فتح هذه الصفحة بشكل مستمر سيكون مضيعة للوقت فقط”، هم الذين هنأوا الأمين العام الجديد-القديم، بعد أن نال أكبر تصويت من أعضاء الحزب، بعد خمس سنوات من “الإبعاد” حسب مناصريه، و”الابتعاد” بحسب معارضيه.

عاد بن كيران إلى “العدالة والتنمية” وقد اختلفت ظروفه بشكل كلي، تحول معها من الحزب المتصدر إلى الحزب المتذيل، لكن الرجل لم يتغير، فلا يزال بن كيران الذي يُمارس السياسة تحت غطاءات متعددة، مرة كضحية ومرة كقربان، مُصر على اعتبار نفسه زعيما ولو إلى حين، فهو نفسه من قال بعد انتخابه السبت، أنه أمين عام جميع الأعضاء وليس بالإقصائي.

ولد عبد الإله بن كيران في حي العكاري في الـ2 من أبريل 1954، أخذ عن أبيه بعض التصوف والتعلق بتحصيل العلم الديني والميل إلي التجارة، فيما أخذ من والدته ارتباطه بالسياسة، حيث كانت تحضر لقاءات حزب “لاستقلال”، حصل بن كيران على الإجازة في العلوم الفيزيائية، وشغل منصب أستاذ في المدرسة العليا للمعلمين في الرباط، حيث عمل حتى استقالته عام 1988 لتأسيس وإدارة مطبعة ومدرستين خاصتين.

تنقل في بداية حياته السياسية بين أطياف متعددة، من الاستقلال إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ليستقر به المقام في 1976 بتنظيم “الشبيبة الإسلامية”، لكنه انفصل عنها في 1981 احتجاجاً على طريقة إدارة المرشد، وعلى تبني العمل الثوري المسلح، ليؤسس “الجماعة الإسلامية”، التي كان يتسم عملها بالسرية، لكنه وبعد الاعتقالات التي  طالتها، دعا بن كيران إلى الانتقال من السرية إلى العلن، وتغيير الاسم لتصبح حركة “الإصلاح والتجديد”.

وبخصوص فترة، “الشبيبة الإسلامية”، فقد وُجهت لبن كيران، حينها، اتهامات بالعمالة للسلطة وتدجين المشروع الدعوي، وبأنه كان “مخبرا” لوزير الداخلية الأسبق إدريس البصري في صفوف الإسلاميين، وشن عليه، وقتها، زعيم ومؤسس حركة “الشبيبة الإسلامية المغربية”، عبد الكريم مطيع، هجوما عنيفاً، قائلاً إن بن كيران مستعد للقيام بأي شيء حتى ولو كانت “أعمال لا أخلاقية” من أجل البقاء في السلطة، فيما يرى مقربون منه، أن “جرأته على التفكير بصوت عال”، جرت  عليه اتهامات كثيرة منها العمالة للسلطة.

في 1990 تولى مع نائبه، الراحل عبدالله باها وضع وثيقة تقبل فيها حركة “الإصلاح والتجديد” بالنظام الملكي، بل وتُقر فيها بإمارة المؤمنين التي تؤسس للشرعية الدينية للملك ونظامه من أجل إقرار الشرعية الدينية للملك، الأمر الذي أثار معارضة شرسة من المكتب التنفيذي للحركة، فوضع بن كيران وباها استقالتهما تحت تصرف قيادة الحركة، لكنها انتهت إلى القبول بالوثيقة بعد إعادة صياغتها.

جانب أخر من شخصية بن كيران السياسية تشكلت عن طريق صديقه ورفيق دربه السياسي، عبد الله باها، إذ لم يتول بن كيران منصباً، إلاَّ وكان باها نائبه، وكان لا يتخذ قرارا من القرارات المصيرية والكبيرة إلا بعد استشارته، حتى إن بن كيران كان يقول إنه وباها شخصان في شخص واحد، لكن الراحل كان نقيضا لبن كيران، فبقدر اندفاع الأول وصوته العالي، كان باها هادئا وصامتاً، عُرف عنه بأنه “العلبة السوداء” التي تحمل أسرار بن كيران، وبفقدانه في حادث القطار، فقد بن كيران الكثير من زخمه السياسي، و لا تزال صورته وباها حاضرة في جميع إطلالاته الإعلامية على “فيسبوك”.

بن كيران ومنذ بروزه على الساحة السياسية المغربية، كان مثار جدل، البعض اعتبره ظاهرة صوتية مستفزة داخل المشهد السياسي المغربي، فالرجل يُتقن خطاب الشعبوية والمظلومية، قيادي شعبوي تتفوق “فقاعاته الصوتية” على الأفكار الوجيهة في إثارة الانتباه لدى الرأي العام، يمتلك، حسب معارضيه، خطابا سياسيا “زنقويا وفُرجويا”، يُفضل المراوغة وبيع الأوهام ويخلف بالوعود.

فيما يرى البعض الآخر أن شخصية بن كيران صالحت المغاربة مع السياسة، بعدما كانت قد عزفت عنها، فالرجل بخطابه ونكته وتحركاته ومواقفه قَرب السياسة من المواطن المغربي البسيط، وأصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية بالبلاد، فلغتة البسيطة والقريبة مما يتداوله بسطاء المغاربة، جعل جميع الفئات تتحدث في السياسة، كما أن خطاباته تحت قبة البرلمان وخارجها جعلت الناس يتصالحون مع السياسة بعدما ألفوها في صالونات مغلقة مقتصرة على فئات معينة.

لكن التطلعات الكبيرة التي تزامنت وتعيين بن كيران في منصب رئيس الحكومة، يقول منتقدوه، إنها أُحبطت لتخلي الرجل عن صلاحياته في دستور 2011، حيث فشل بن كيران في توظيف الفرص التي منحتها الوثيقة الدستورية للطبقة السياسية، كما أنه أخلف الوعود وأجهض مجموعة من المشاريع، ولم يكن يمتلك الحنكة السياسية المطلوبة للتصرف في الصلاحيات التي منحها له دستور 2011.

فهو صاحب مقولة “عفا الله عما سلف” وخيبة أمل المغاربة في فلسفة بن كيران في مكافحة الفساد بالمغرب، والتي قوبلت بانتقادات قوية باعتبارها تراجعا عن الوعود الذي قطعها في محاربة الفساد، وتفضيله سياسة “الانتقاء في الملفات المعروضة على القضاء”.

وهو من خرج بتصريح مثير حول مقاطعة المغاربة لمنتجات “دانون”، حين قال “إنها تسيء إلى الفلاحين ولصورة المغرب في الخارج”، وأنه “اللي غلب يعف”، الأمر الذي شكل صدمة ومفاجأة للرأي العام المغربي، الذي كانت ينتظر من رئيس حكومته المساندة والدعم وليس الانتقاد.

من أعادوا بن كيران إلى الأمانة العامة لـ”العدالة والتنمية”، هم مناصروه الذين يروون فيه رجل المرحلة الذي بدونه قد يسير الحزب إلى نفق مسدود، رغم أن “اجترار” السياسيين في الغالب، لن يُحدث أي تغيير، سواء على صعيد الأحزاب أو الحكومات، المرحلة المقبلة ستكون صعبة جداً، خصوصاً وأن بن كيران ورث حزباً منتهي الصلاحية انتخابياً، ومناضلين غاضبين أو منسحبين من الحزب بشكل نهائي.

لكن الأكيد هو أن من وصف بن كيران “بالظاهرة الصوتية”، لم يُخطأ، فالرجل يُتقن أدوات الخطابة وإن اختلف الرأي حولها، وبالنظر إلى حالة الانسحاب والضعف الكبير التي أظهرتها الحكومة الجديدة، التي لم يمر على تشكيلها أكثر من شهر، فإن الأمين العام الجديد-القديم للعدالة والتنمية، سيجد “مرتعا خصباً” لخرجاته السياسية والإعلامية، التي طالما تركت أثرا سياسيا كبيراً في الشارع المغربي.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )