المساء اليوم - ع. الدامون: لم يكن أصحاب المقاولات في المغرب يؤمنون بوجود "بابا نويل" من أصله، غير أن الهدية التي تلقوها من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، جعلهم يعيدون النظر في اعتقادهم، وربما آمنوا في النهاية بأن أخنوش هو بابا نويل الحقيقي، حتى من دون لحية بيضاء. وقدم رئيس الحكومة هدية غير متوقعة تتمثل في ضخ 13 مليار درهم (1300 مليار سنتيم) لأداء مستحقات الضريبة على القيمة المضافة، والتي ابتدأت شهر دجنبر الماضي، وذلك لتمكين المقاولات من التوفر على سيولة مهمة في خزينتها، "من أجل الصمود في وجه الأزمة"، وفق بيان رئاسة الحكومة. هذا المبلغ الذي يتوافق شكله وحجمه مع الشهر الثالث عشر في نهاية السنة لبسطاء الموظفين، لم يخلق المفاجأة فقط في صفوف المقاولين، بل أيضا في أوساط الناس العاديين، الذين لا يزالون يصارعون الظروف الاقتصادية الصعبة المترتبة عن الوباء المستمر منذ عامين، بينما تذهب هدية أخنوش لرأس السنة إلى المقاولين ورجال الأعمال، من "أجل التغلب على ظروف الجائحة". ووفق ما أعلنه أخنوش، فإن الحكومة ملتزمة بتصفية ديونها المتراكمة من ضريبة القيمة المضافة لصالح مقاولي القطاع الخاص ابتداء من ديسمبر 2021 وحتى نهاية الربع الأول من عام 2022، وسيتم خلال هذه المدة ضخ 13 مليار درهم لدفع ضريبة القيمة المضافة، بحيث "يمكن للشركات، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، أن يكون لديها سيولة مهمة في خزينتها لمواجهة الأزمة والمشاركة في ديناميكية خلق المشاركة في خلق القيمة وفرص العمل". والمثير في البيان الحكومي أنه استعمل عبارة "خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم"، من دون التنصيص على أنها المعنية لوحدها بهذه الهدية، وهو ما يرجح أن الشركات العملاقة، بما فيها شركات أخنوش، ستستفيد بدورها من هدية رأس السنة، من منطق "بضاعتنا ردت إلينا". وبرر أخنوش هذا الكرم الحاتمي غير المتوقع بالقول "حكومتنا لن تكون حكومة لتدبير الأمر الواقع، بل حكومة لإبداع الحلول، ونحن متفائلون بأن برنامجنا المتكامل والمندمج اقتصاديا واجتماعيا، سيمكننا من بلوغ ما سطرناه من أهداف على مستوى النمو الاقتصادي وإحداث فرص الشغل للشباب". وأضاف رئيس الحكومة خلال تصريحه الشهري الأخير بالبرلمان "الحكومة، وعيا منها بدور الاستثمار والبعد الاقتصادي في دعم ركائز الدولة الاجتماعية، اتجهت لسياسة اقتصادية تتضمن خمسة محاور رئيسية، منها إنعاش فوري للاقتصاد الوطني، ووضع برنامج وطني وجهوي من أجل دعم المقاولات الناشئة في القطاعات الواعدة، وتفعيل الإصلاحات الهيكلية لدعم الاقتصاد الوطني، وتنفيذ سياسات قطاعية طموحة على الصعيدين الوطني والمجالي، ووضع سياسة فاعلة لدعم النشاط الاقتصادي للنساء". ويتساءل عدد من الخبراء في المجال المالي بالمغرب كيف أقدم أخنوش على هذه الخطوة الجريئة حد التهور، عبر ضخ هذا المبلغ الضخم دفعة واحدة في صناديق مقاولات لم يثبت أنها تعاني فعلا من أزمة مالية حقيقية، بينما هناك الكثير جدا من المقاولات المتوسطة والصغيرة، التي وصلت حد الإفلاس بفعل ظروف الجائحة، من دون أن تتلقى فلسا واحدا من الحكومة. والمثير أن هذا المبلغ الذي رماه أخنوش فجأة من صناديق المال العام نحو جيوب كبار المقاولين، كان أقل، 13 مرة، من المبلغ الذي اقترحته الباطرونا مؤخرا في حوارها مع الحكومة، أي أن المقاولين لم يكونوا يطالبون سوى بإعادة مليار درهم، فأعطاهم أخنوش 13. وكان محمد زازو، رئيس CGEM، وقبل إعلان أخنوش هذه المفاجأة، وعد المقاولين باستعادة مليار درهم فقط من ديون الضريبة على القيمة المضافة، فجاء قرار أخنوش بمنحهم 13 مليار درهم، وهو ما خلق، فعلا، مفاجأة في صفوف المقاولين، شبيهة إلى حد كبير بمفاجأة الأطفال وهم يتلقون هدية غير متوقعة من بابا نويل ليلة رأس السنة. هذا المبلغ الضخم الذي خرج فجأة من صناديق الدولة ودخل جيوب المقاولين، أعطى الانطباع بأن الدولة غنية جدا، ما دام أنها تقدم هذا المبلغ دفعة واحدة لعدد محدود من المقاولات، بينما يواصل ملايين المغاربة غرقهم في أزمات مستفحلة، ماديا ونفسيا، سواء بسبب ظروف الكوفيد، أو حتى في الأيام العادية. هذا الكرم المدهش لحكومة أخنوش، فتح شهية المغاربة البسطاء، ليس من أجل نيل نصيبهم في كعكة 13 مليار درهم، بل فقط من أجل أن يمارس أخنوش دوره الحقيقي كرئيس حكومة، ويعمل على مراقبة المضاربين ويحد من الارتفاع المهول لأسعار المواد الغذائية، ويمارس القليل من كرمه مع الناس العاديين فيقرر خفض أسعار محروقاته التي أحرقت جيوب الناس.. خصوصا وأن رمضان على الأبواب، لكن المؤسف أن "بابا نويل" كائن لا يظهر في مناسبات المسلمين.