عبد الله الدامون damounus@yahoo.com تعيش العلاقات المغربية الإسبانية وضعا شبه ميؤوس منه منذ عام، ولا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى وجود ضوء في نهاية النفق، وكلما لاح بصيص من الضوء.. عاد وانطفأ. لكن هذا الوضع لن يطول إلى الأبد، كما أن العلاقات بين ضفتي مضيق جبل طارق كانت، وعلى مدى قرون طويلة، حبلى بالأحداث الكبرى، وإسبانيا، التي نشأت رسميا بعد سقوط غرناطة قبل بضعة قرون، والتي عادة ما يتسلى جزء من إعلامها الجاهل، بالقول إن المغرب نشأ سنة 1956، كما لو أنهم لم يسمعوا يوما بطارق ابن زياد ويوسف ابن تاشفين والمهدي ابن تومرت، وبمعارك الزلاقة ووادي المخازن وأنوال. من سوء حظ جارتنا إسبانيا أن التاريخ لا يكذب، وعندما نطالع أحداث التاريخ نكتشف أن إسبانيا صدّرت الموت نحو المغرب على مر القرون، والمغرب صنع الحياة في شبه الجزيرة الإيبيرية على مر الزمن. ربما تكون مجرد صدفة، وربما لا تكون كذلك. لنلق نظرة على بعض أحداث التاريخ. قبل أزيد من 1200 سنة انتقلت الحضارة من المغرب إلى إسبانيا، التي كانت غارقة في الفقر والجهل والأمية، ونشأت الأندلس التي استمرت 8 قرون، وخلالها تم القضاء على الأمية في مختلف مناطق البلاد بنسبة 100 في المائة، وازدهرت الصناعة والحرف والزراعة والعلوم والفنون والأدب، ولم يكن هناك، أي قبل 12 قرنا، أي شخص أمي في الدولة الأندلسية، في الوقت الذي كان كل رعايا الممالك المسيحية أميون، ومن النادر أن تجد شخصا يقرأ ويكتب في مختلف مناطق أوروبا. بعد ذلك دار الزمن دورته وبدأت عمليات التقتيل والطرد والتنكيل ونزح ملايين الأندلسيين نحو المغرب وباقي مناطق العالم. الخير رحل من المغرب إلى هناك، ثم نبت الشر وطرد الخير. بعد ذلك بقليل تحركت جيوش مملكة قشتالة واحتلت سبتة، ثم جاء الدور على مليلية، وها هي إسبانيا اليوم تقول إنها موجودة في المدينتين قبل وجود المغرب. انسوا التاريخ وحاولوا أن تصدقوا هذا الكلام، ففي كل مرة تحاول إسبانيا تثبيت أكذوبة تاريخية تقول إن المغرب لم يكن موجودا. وربما تكون محقة، فإسبانيا التي لم تكون موجودة وقتها، لم تكن تشعر بوجود المغرب. بعد ذلك جاء الشر من جديد من شبه الجزيرة الإيبيرية عبر جيش عرمرم يتزعمه ملك برتغالي مهووس بالعظمة، اسمه سباستيان، وقضى عليه المغاربة من جديد في معركة وادي المخازن. وفي سنة 1850 تحركت من جديد جيوش إسبانيا وخاضت حربا غير متكافئة مع مغرب مترنح، وتحمل المغرب هزيمة منكرة في حرب تطوان. وفي سنة 1909 حدث ما يسمى في المصادر التاريخية الإسبانية بـ"حرب المغرب"، وعانى المغرب مجددا من الهزيمة، ثم جاء مؤتمر الجزيرة الخضراء، وبعد ذلك ببضع سنوات فرضت إسبانيا حمايتها على شمال المغرب وجنوبه. في سنة 1918، حين كانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، انتشر في العالم وباء خطير جدا يسمى "الطاعون الإسباني"، وقتل أزيد من 40 مليون شخص في العالم كله، وبينهم خلق كثير في المغرب، مع أن الحرب العالمية الثانية بكل ويلاتها لم تقتل أكثر من 18 مليون شخص. الشر القادم من الضفة الأخرى لمضيق جبل طارق لا ينتظر طويلا، لأنه مباشرة بعد الهزيمة الساحقة للجيش الإسباني في معركة أنوال سنة 1921، استعملت إسبانيا أسلحة كيماوية فتاكة وقتلت خلقا كثيرا، ولا يزال سكان الشمال إلى اليوم يمثلون 60 في المائة من مرضى السرطان في البلاد بسبب تبعات تلك الأسلحة المتوحشة. بعد ذلك، ونتيجة بوار الحقول وإبادة الرجال بسبب تلك الأسلحة، حدثت مجاعة رهيبة في الشمال ومات الناس جوعا وأكلوا جذور النباتات، إن وجدت، فاستغل فرانكو ذلك وحمل أكثر من 100 ألف مقاتل ليشعل بهم أتون الحرب الأهلية وسالت دماؤهم من أجل أن يصل اليمينيون إلى الحكم، وبعد ذلك خاض هؤلاء اليمينيون حربا وسخة لتشويه سمعة هؤلاء المقاتلين. في سنة 1956 خرجت إسبانيا من شمال المغرب وتركت المنطقة التابعة لها مثل حفرة منكوبة وبلا بنيات تحتية. بعد عقود من ذلك، هاجر عشرات الآلاف من المهاجرين السريين نحو إسبانيا واشتغلوا في حقول الجنوب وحولوها إلى جنة وأصبحت تلك المناطق أغنى مناطق أوروبا، ومع ذلك ظل أولئك المهاجرون المغاربة محتقرين ويعاملون معاملة العبيد. كل عملية عبور من إسبانيا إلى المغرب ارتبطت بالحروب والمجازر والمجاعات والتخلف، وكل عمليو عبور من المغرب نحو إسبانيا ارتبطت بالخير والرفاه. إنه التاريخ الذي يتحدث، وعلى الناس فقط أن يقلبوا صفحاته.