قضية أطفال المسلمين في السويد بين الواقع والمتخيل

عبد الباسط سيدا

قضية أخذ أو سحب الأطفال من أسرهم من جانب هيئة الخدمة الاجتماعية في السويد، وتسليمهم إلى أسر جديدة، أو مراكز رعاية الأطفال، بهدف تأمين بيئة أفضل لهم هي من القضايا المأساوية بالنسبة إلى الأسر المعنية من دون شك، وهي ليست سهلة بالنسبة للأطفال أنفسهم؛ كما أنها تكلف المجتمع الكثير من الجهود والأموال، وتثير الكثير من المشاعر والمواقف المتباينة من مختلف الأطراف. ولكن التدابير والإجراءات التي تُعتمد في سياق البت في هذه القضايا، وسبل التعامل معها، وطرق الحل، هي مبنية على القوانين السويدية التي تسري على الجميع من دون أي استثناء، وهي تأخذ مصلحة الأطفال بعين الاعتبار أولاً. والجدير بالذكر هنا هو أن السويد قد التزمت تماماً باتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989، وهي تعتبرها جزءاً من قانونها الوطني.

وعادة لا يتم اللجوء إلى إجراء السحب ألا بعد التيقن من صحة ما يتعرض له الطفل أو الأطفال من ضغوط نفسية أو جسمية (غالباً ما يكون الضرب هو السبب) من قبل أحد الوالدين أو كليهما.

وبناء على أرقام الإحصائيات التي نشرها مركز المعلومات السويدي، بلغت حالات سحب الأطفال من أسرهم خلال عام 2019 في جميع السويد لأسباب لها علاقة بضرورة المحافظة على سلامتهم الجسمية والنفسية 7900 حالة، منها 4800 حالة تخص أطفالاً من أصول سويدية، ومنها 3100 حالة تشمل أطفالاً من أصول مهاجرة. وباعتبار أن نسبة المهاجرين في المجتمع السويدي تبلغ حاليا نحو 20 في المئة، فهذا معناه أن نسبة أطفال المهاجرين من جميع الجنسيات ممن أخذوا من أسرهم مقارنة مع نسبة الأطفال السويديين من المجموعة نفسها، هو في حدود خمسة أضعاف.

ولكن الذي حصل هو أن مثل هذه الإحصائيات، إلى جانب بعض القصص الفردية التي تم الحديث عنها عبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام تحولت إلى كرة ثلج، سرعان ما كبرت نتيجة الإضافات والاختلاقات المقصودة، والتخيلات التي لا تستند إلى أي معرفة أو وقائع ملموسة. فهناك من ادّعى بأن المسلمين هم الهدف، وهناك من تحدث عن وجود خطة سويدية، أو ربما غربية عامة، لمحاربة الإسلام والمسلمين، وغسل أدمغة أطفالهم، ومحاربة القيم الإسلامية، وغير ذلك من الاتهامات التي أصبحت مادة لحملة دعائية مركزة.

هذا في حين أن السويد تعد من أكثر الدولة الأوروبية احتراماً للإسلام والمسلمين، وانفتاحاً عليهم، وقبولاً بهم؛ ويتجلى ذلك من خلال وجود المساجد والجمعيات الإسلامية التي تحصل على المساعدة من الحكومة السويدية. كما أن السويد تتميز بمراعاة الطلاب المسلمين في الطعام المدرسي، واحترام الحجاب في المدارس والجامعات وأماكن العمل. وترفض السويد باستمرار منح التراخيص للفعاليات المناهضة للمسلمين، هذا فضلاً عن وجود المسلمين في الوزارة والبرلمان وفي الجامعات وفي جميع الإدارات والمؤسسات والشراكات العامة والخاصة. كما كانت السويد سباقة في استقبال اللاجئين السوريين الذي اضطروا لمغادرة بلادهم نتيجة الحرب، خاصة في عام 2015، وحصل عشرات الآلاف من السوريين على حق الإقامة والجنسية. حاليا يعيش في السويد حوالي ربع مليون سوري، بينما يبلغ عدد المسلمين نحو 800 ألف (كان عددهم الإجمالي في السويد حوالي ألف شخص عام 1966).

وهناك أبحاث رصينة حول الإسلام والمجتمعات المسلمة أنجزت من قبل العديد من الباحثين الجادين السويديين، وتعتبر كتبهم من المصادر المعتمدة في الجامعات العريقة على المستوى العالمي. ويدرس الطلاب السويديون في المدارس، سواء في المرحلة الابتدائية أم الثانوية الإسلام والأديان الكبرى في العالم ضمن مادة الدين بكل موضوعية، وبعيداً عن أي إساءة.

أما بالنسبة لمسألة الأطفال واليافعين من أبناء المهاجرين، فهناك مشكلة يعاني منها الآباء والأمهات، خاصة من القادمين الجدد (الذين لم يمض على وصولهم إلى السويد أكثر من خمس سنوات) تتمثل في انشغالهم بأنفسهم من جهة ضرورة تعلم اللغة، والبحث عن العمل، وصعوبات التأقلم مع المجتمع الجديد من جميع النواحي.

وغالبا لا يمتلك الوالدان الوقت الكافي، أو المعارف الكافية، لمتابعة أطفالهم، والاهتمام بهم وتوجيههم، الأمر الذي يؤدي إلى مصادمات داخل الأسرة نتيجة التوتر، والاختلاف حول الأولويات، وبفعل تأثير العوامل المحيطة. فتحدث المشكلات، ويتعرض الأطفال بوصفهم الحلقة الأضعف للضغط، وحتى الضرب، مما يستوجب تدخل هيئة الخدمة الاجتماعية (السوسيال)، وتبذل الجهود عبر النصح والتوجيه. ولكن في حال فقدان الأمل، يتم سحب الطفل من أسرته لوضعه بصورة مؤقتة لدى أسرة حاضنة أو في مركز رعاية الأطفال، ريثما تصبح الأمور أفضل ضمن أسرته ليعود إليها، وفي الأثناء لا تبذل الجهود لإبعاد الأطفال عن دينهم، ولا تُفرض عليهم طقوس أو شعائر لا تتناسب مع دينهم، فكل هذه الإضافات المتخيلة لا تمتلك أي أساس واقعي.

من جهة أخرى يعاني أطفال المهاجرين في السويد، خاصة اليافعين منهم، من واقع بالغ نتيجة صعوبة اختيار القيم والمعايير والقواعد غير المكتوبة التي عليهم الالتزام بها. إذ عليهم التوفيق بين ثلات منظومات منها. ففي المدرسة عليهم عدم الإخلال بالقيم الديمقراطية السارية، واحترام حرية التعبير والاعتقاد والممارسات. ولكن في الوقت ذاته عليهم أن يحافظوا على القيم والأعراف السائدة في البلد الأصلي بناء على توجيهات الأهل. كما يطالبون في الوقت عينه بمراعاة الأعراف والعادات والمعايير التي تشكلت ضمن كل مجموعة من مجموعات المهاجرين، وهي قيم هجينة لا تنتمي إلى البلد الأم، ولا إلى البلد الجديد؛ وكل ذلك يشكل ضغطاً هائلاً يثقل كاهل اليافعين، ويلزمهم ببذل أقصى درجات الجهد والتركيز والحيطة للحفاظ على التوازن بين المنظومات الثلات. ولكن في بعض الأحيان يكون التصادم مع الأهل، الأمر الذي يستوجب تدخل هيئة الخدمة الاجتماعية لتعالج الأمور بين اليافعين وأسرهم.

حملات التهجم على دولة السويد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى من خلال بعض وسائل الإعلام، لا تخدم المسلمين في السويد، بل تضرهم، كما تضرهم في أوروبا الغربية بصورة عامة، حيث يعيش حالياً ما يقارب 20 مليون مسلم. وفي السويد نفسها يعيش حاليا نحو 800 ألف مسلم.

والسويد كانت، وما زالت، تعد المثال الأفضل على المستوى الأوروبي على صعيد الخدمات الاجتماعية، وعدم التمييز، والحرص المستمر من جانب البرلمان والحكومة لمساعدة المهاجرين، وتمكينهم من الاندماج؛ مع احترام خصوصياتهم وحقوقهم، ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الجريمة المنظمة بين الشباب، ويتم ذلك بصورة أساسية عبر دعم أبناء وبنات المهاجرين في مختلف مراحل التعليم، ليتمكنوا من الحصول على الدرجات المقبولة التي تساعدهم لمتابعة دراساتهم سواء في المرحلة الثانوية أم الجامعية، أو في المعاهد الفنية. كما توجد الكثير من التدابير والمساعدات التي تمكّن المهاجرين من الدخول إلى سوق العمل، الأمر الذي يسهّل عمليات شراء البيوت، والتفاعل مع المجتمع.

وهناك قوانين وإجراءات صارمة تمنع التمييز بين المواطنين والمقيمين في السويد، بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو القومية أو العرق. كما أن حرية التعبير والنشر مضمونة للجميع، ولكن شرط عدم الإساءة للآخرين. إلا أن كل ذلك لا ينفي وجود الثغرات، ووجود قوى عنصرية تنتقد باستمرار سياسات الحكومات السويدية سواء اليمينية منها أم الاشتراكية واليسارية في ميدان استقبال اللاجئين.

وهي قوى تستغل السلبيات التي تحصل، سواء من جهة المهاجرين، أم من جهة الحكومة. ولكن هذه القوى محدودة العدد والتأثير طالما أن سياسة الاندماج تسير بشكل متوازن مع احترام الخصوصيات والحقوق، أما في حالات الخلل وحدوث الأزمات، فإن هذه القوى تكتسب المزيد من الأنصار، وتمارس تأثيراً أكبر من حجمها في السياسة السويدية العامة.

هناك أخطاء تُرتكب من قبل المسؤولين في هيئة الخدمة الاجتماعية، وهناك ثغرات في ميدان تقديم المعلومات حول المجتمع السويدي بطريقة مهنية إلى القادمين الجدد، ولكن هناك آليات لنقدها وإمكانية لاصلاحها. أما حينما تأخذ الأمور منحى تصادمياً لا عقلانياً، فإن الرأي العام يصبح أكثر استعداداً للتشدد، وهذا ما يضعف مواقف المتعاطفين مع حقوق المهاجرين والمدافعين عنها.

المهاجرون في السويد قادرون على متابعة قضايا أطفالهم وأسرهم، ويمكنهم عبر القنوات القانونية الموجودة المطالبة بمعالجة الأخطاء والإسهام في وضع الحلول التي لا بد أن تضع مصلحة الطفل في المركز. هناك مشكلات ناجمة عن الاختلاف الثقافي لا أحد ينكر ذلك، ولكن الحل المطلوب لا يكون عبر حملات التجييش والوعيد، وعدم الثقة بمؤسسات الدولة. وإنما يكون بالتخلي عن عقلية نحن وهم، وهي العقلية التي عانت، وتعاني منها مجتمعاتنا الأصلية كثيراً.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )