العدالة والتنمية.. حين يتحول الأمل إلى وهم كبير

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

لو جرت انتخابات الـ8 من شتنبر في شهر يونيو، لجاز لنا أن نطلق عليها “نكسة حزيران”، نسبةً إلى حرب 67، التي ظلت مثالا على ما يمكن أن يحدث لبعض الجيوش الجرارة التي تبني انتصاراتها المستقبلية على الأحلام، وحين تأتي ساعة الحقيقة، تتحول إلى رماد.

ما حدث لحزب العدالة والتنمية يوم 8 شتنبر جدير بأن يتم تدريسه في معاهد العلوم السياسية، لأنه من غير المنطقي تماما أن تحصل على 125 مقعدا في البرلمان، ومباشرة في الانتخابات التي تليها، تحصل على 13 مقعدا فقط.

لكن يبدو أن الحيرة التي استبدت بالمحللين والمتابعين لم تفاجئ قادة حزب العدالة والتنمية، الذين استقبلوا النتيجة بمزيج من الاستسلام السياسي والرضا الديني بالقضاء والقدر.

كانوا يدركون أن سنواتهم العشر التي قضوها خدما “مشرّْطين لحْناك” ستقودهم حتما إلى هذه النتيجة، لذلك فوجئنا نحن، ولم يفاجأوا هم.

منذ اليوم الأول لوصول “العدالة والتنمية” إلى السلطة، محمولين على أكتاف “خلعة الربيع العربي”، فعلوا كل ما في استطاعتهم لكي يثبتوا أنهم أفضل الخدم وأكثرهم إخلاصا، ونافسوا مفاوضي اتفاقية “الخزيرات” في القبول بكل شيء وأي شيء مقابل أي شيء، ورموا بكل الوعود خلف ظهورهم وتصرفوا وكأنهم كائنات مرسلة من السماء، لمجرد أن مرجعيتهم دينية وبعض قادتهم يعتنون بشعيرات على وجوههم.

على ظهر “البيجيدي” مرت كل القرارات اللاشعبية التي كانت مؤجلة منذ عقود. فالدولة العميقة لم تكن عميقة بما يكفي لكي تجرؤ على تمرير قرارات خطيرة في أوقات غير مناسبة، وعندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، أفرغوا في ظهره كل القرارات المؤجلة، بينما لم يكن البيجيدي يجد حرجا في ممارسة دور “البرْويطة”.

خلال عشر سنوات تصرف “البيجيدي” وكأنه محصن ضد الانهيار، ونسي سريعا وعده الأكبر بمحاربة الفساد، وهو الحزب الذي وصل السلطة محمولا على شعار “الشعب يريد إسقاط الفساد”، فسقط كل شيء في زمن “البيجيدي” إلا الفساد.

وعندما كان بنكيران رئيسا للحكومة، مدججا بصلاحيات دستورية غير مسبوقة، لم يحاول حتى تجربة صلاحياته، وعاد القهقرى إلى زمن الوزير الأول، وتصرف كأنه كبير الخدم، وانبطح على بطنه حتى تمر على ظهره كل القرارات اللاشعبية الخطيرة مثل تجميد الحوار الاجتماعي ورفع سن التقاعد وخفض المعاشات وفرنسة التعليم وتجميد الأجور ومعاقبة المضربين وتشريع الحشيش وقانون التعاقد وأشياء كثيرة أخرى كانت نهايتها توقيع العثماني على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، بضعة أيام فقط بعد تصريحاته النارية التي يقول فيها بالحرف “لا تطبيع أبدا مع العدو الصهيوني”. كان الأمر شبيها بنكتة جعلت الناس يقتنعون، أخيرا، أن هذا الحزب لا يستحق، ليس الحكم فقط، بل لا يستحق الاحترام.

من حق “البيجيدي” أن يلصق الكثير من فشله في “العفاريت والتماسيح”، لكن الحزب لم يفعل شيئا يدل على احتمال وجود رجولة ما، آخرها رمي المفاتيح في وجه التماسيح والعودة إلى صفوف الناس، لكن الحزب لم يكن سيد نفسه، ولم يكن يوما ما كذلك.

اليوم يشتكي حزب العدالة والتنمية من توزيع فاحش للأموال خلال انتخابات 8 شتنبر، ومتى كانت الانتخابات المغربية من دون أموال..؟ وهل غابت الأموال حين فاز الحزب بـ125 مقعدا قبل خمس سنوات..؟

وما يبدو مثيرا للسخرية أكثر هو أن المقاعد الـ13 التي حصل عليها الحزب كانت بفضل قانون القاسم الانتخابي الذي هاجمه طويلا.. ولولاه لأصبح الحزب في خبر كان.

ربما أسوأ شيء لحزب العدالة والتنمية هو تذكيره بالظروف التي وصل فيها إلى السلطة سنة 2011، حين تجندت السلطات، عن بكرة أبيها، لإيصاله للحكم من أجل عبور آمن لامتحان “الربيع العربي”.

اليوم، لم تفعل السلطة الكثير لدفعه ينهار. كانت السنوات العشر، التي أمضاها الحزب خادما خنوعا، كافية لجعله يتحول إلى مومياء.

اليوم.. يقول قادة “البيجيدي” كل شيء يجعلهم ينفّسون الضغوط عن قواعد حزبهم، لكن عجرفتهم تمنعهم من الاعتراف بأنهم ركبوا على أمل كبير للمغاربة قبل عشر سنوات.. ثم حولوا الأمل إلى وهم كبير.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 2 )

  1. محمد البوعمراوي :

    هذا كان تحليلي الشخصي، لذا فأنا اتفق تماما مع كاتب المقال…
    أضيف فقط شيئين:
    -في آخر ثانية من اللعبة، علق على ظهر هؤلاء الخونة الانتهازيبن، الزيادات المهولة على أسعار بعض المنتوجات الإستهلاكية الأساسية….
    – و أضيف مقولة مارك توين بأن السياسيين كالحفاضات،يرمون بعد كل استعمال..

    0
    • عبد العالي :

      وماذا عن الحلول الإجتماعية الممثلة في شهرية المطلقات والأرامل
      رفع أجرة المنح للطلبة

      زيادة في المعاشات الى1000
      الزيادة الأخيرة للموظفين ووو

      0