عبد الله الدامون مياه كثيرة مرت من تحت الجسر منذ أن كانت القناة التلفزيونية الثانية "دوزيم" على وشك الإفلاس التام. يومها لم ينقذها سوى المال العام، أي الضرائب التي يؤديها المواطن العادي قسرا في فواتير الماء والكهرباء، وكثيرون لا يدرون أنهم يفعلون. لكن رغم عملية الإنقاذ بقيت "دوزيم" تعيش صراع البقاء إلى اليوم، ولم تنفع معها أنابيب "السّيرو" التي تصب فيها الأموال العمومية ذات اليمين وذات اليسار، فالإعلام في هذه البلاد قضية محيرة إلى أقصى الحدود.. الكثير من المال.. والقليل جدا من الجدوى. عملية إنقاذ "دوزيم" تمت وقتها عبر إلحاقها بالدجاجة الأم، أي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، التي يرأسها فيصل العرايشي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وعوض أن تكون جهازا إعلاميا قويا في خدمة الوطن والمواطنين، فإنها صارت مثل جمعية خيرية أو قسم إنعاش. اليوم، تدور الدائرة وتتكرر عملية "دوزيم" بشكل مثير للاستغراب، وهذه المرة مع قناة اسمها "مدي1 تيفي"، التي كان كثيرون يتوقعون أن تكون "جزيرة المغرب"، فصارت "حصْلة المغرب". كانت "قناة مدي1 تيفي" على وشك الإفلاس مرات عديدة، وتم إنعاشها لأكثر من مرة، ويتذكر كثيرون حكاية المائة مليون دولار، أو أورو، أي مائة مليار سنتيم، التي تم ضخها في صناديقها قبل عدة سنوات، هبة أو مساهمة إماراتية في رأسمال القناة، من أجل قتل الأزمة، فذهبت المائة مليار وبقيت الأزمة حية ترزق. ربما من سوء حظ حسن خيار، الرئيس المدير العام لهذه القناة، أن يتم إلحاقها في عهده بالشركة الوطنية للإذاعة التلفزيون، ويربح غريمه فيصل العرايشي الصراع الذي دام طويلا، وكلا الرجلين لا يستسيغ أحدهما الآخر، فقد كان خيار أول المرشحين لخلافة العرايشي على رأس التلفزيون.. ثم دارت الأيام.. ولله في خلقه شؤون. ومنذ أن تم خلق هذه القناة التلفزيونية، التي كان اسمها في البداية "مدي سات" تحت قيادة الفرنسي بيار كازالطا، كان جليا أن راكب البغل خرج من الخيمة مائلا، لذلك سرعان ما سقط، بعدما نافست "مدي سات" قناة "الجزيرة"، ليس في القوة المهنية، بل في الرواتب الضخمة لأولى صحافييها، فغابت المهنية وبقيت الرواتب تثقل كاهل قناة عرجاء. ذهب كازالطا وجاء عباس العزوزي، وأراد أن يطبق في القناة فلسفة تعتمد خلط النبيذ باللبن، والخبر بالمسلسل، والضحك بالمعقول، فكانت القناة في عهده على شفير الإفلاس أكثر من مرة، ولم ينفع المال الإماراتي في إنقاذ قناة مثل إسفنجة عطشانة تمتص كل شيء، فذهب العزوزي مثقلا بالتهم وجاء البطل المغوار حسن خيار. خيار جاء إلى "مدي1 تيفي" راكبا صهوة حصان "زورّو"، أو مرتديا سلهام سوبرمان، مفتخرا بشركة الإشهار "ريجي 3"، التي كان يعتبرها العصا السحرية لحل كل مشاكل القناة، فصارت جزءا من المعضلة.. وانتهى كل شيء.. مرة أخرى.. في حضن الإفلاس، أو ما يشبهه. ومرة أخرى، عادت الدجاجة الأم، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، إلى احتضان كتكوت آخر لم تلده أصلا، بل ستتبناه قسرا، كما تبنت من قبل كتكوت "دوزيم"، وينضاف إلى هذا التبني راديو مدي 1، وشركة الإشهار "ريجي"، وبذلك أصبح العرايشي حاكما لإمبراطورية من القنوات تنتج كما هائلا من الصور الملونة، في انتظار أن يمن الله على هذه البلاد برجل يمكنه أن يصنع إعلاما حقيقيا. damounus@yahoo.com