الأطباء المغاربة سيحسّنون خطهم.. هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

بعد سنوات طويلة جدا من المعاناة، صدر قرار حكومي يطلب من الأطباء المغاربة تحسين خطهم. لقد هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية.. فأن تأتي الأشياء متأخرة خير من ألا تأني أبدا..

القرار الحكومي كان واضحا.. وهو أنه يجب على الأطباء أن يتوقفوا عن كتابة الطلاسم في وصفات الأدوية، التي تشبه طلاسم السحر الأسود، ويكتبوا وصفاتهم بقدر كاف من الوضوح، وأن يحرروها بخط مقروء مع الحرص على أن يفهمه المريض ومحيطه، وأن يتحرى تطبيقه بشكل جيد.

الشعب والحكومة والمتعلمون والأميون والمثقفون والجهلة والرأسماليون والبروليتاريون والشيوعيون والإسلاميون، كلهم كانوا يعرفون أن خط الأطباء المغاربة سيء جدا، وكثيرا ما اشتكوا منه، بل اعتبروه كارثة وطنية، لكن الأطباء استمروا في التنكيل بنا، ربما ليقنعوننا بأنهم مخلوقات نورانية ليست من هذه الكوكب، وأن خطهم قادم من المجرات الأخرى ولا يمكن تغييره.

طوال عقود من الزمن كان خط الأطباء لغزا، وكنا نعتبره، ربما، سرا إلهيا لا يمكن نقاشه، فالطبيب ليس ككل البشر، وخطه، بالطبع، لا ينبغي أن يكون مثل باقي خطوط “أيها الناس”.. ولكل مقام مقال.

كنا دائما نحار، ليس فقط في خط الأطباء، بل فيمن يستطيع قراءته، وكنا ننبهر كثيرا بالصيادلة وهم يمسكون الوصفة ويتوجهون رأسا لجلب الدواء، فنقول يا سبحان الله.. في النهاية هناك من يفهم خط الأطباء.. لكن هذا لا ينفي أن الكثير من الصيادية يظلون يحدقون مائة مرة في وصفة الدواء ثم يقولون “لا حول ولا قوى إلا بالله”..

لكن الحكومة حينما تطالب الأطباء بتحسين خطهم هل تعترف بأن خطهم سيء جدا أم أنه فقط غير خاضع للمقاييس العلمية..؟ وهل ستفتح الحكومة تحقيقا حول أسباب إصرار الأطباء، طوال كل هذه السنوات، على تعذيب المغاربة بخطهم الفضائي، وهل ستتقدم نقابة الأطباء باعتذار علني للمغاربة على كل هذه المعاناة التي سببوها للناس بسبب خطهم المقرف.

كنا نتمنى أن يحدث ذلك، وكنا نتمنى أكثر أن يتم فتح تحقيق أكبر حول المآسي الإنسانية التي تسبب فيها الخط الرديء للأطباء، وكم من وصفة دوائية ذهبت بالخطأ إلى جوف مرضى غير مناسبين بسبب رداءة الخط، وكم من مرضى كانوا قابلين للشفاء فصار مرضهم عاهدة مستديمة، أو حدث ما هو أسوأ. وما يرعب اكثر هو دراسة أمريكية حديثة قالت إن الخط السيء للأطباء يؤدي إلى مقتل سبعة آلاف مريض سنويا عبر العالم.

ما كان يحيرنا أصلا هو أننا درسنا مع رفاق لنا في نفس الأقسام ونفس المدارس ومع نفس المعلمين والأساتذة، وعندما صاروا أطباء تمردوا على كل ما تعلمناه معا من حروف عادية ومعقولة وصاروا يكتبون بالهيروغليفية أو المسمارية. وكثيرا ما كان أطباء درسوا معنا يسلموننا وصفة دواء فنطالعها ونقول “يا إلهي.. هل صاحب هذا الخط المقزز هو التلميذ الذي كان يدرس معي..؟”.

عموما.. فالقرار الحكومي المتأخر جدا جاء ليثبت لنا أن الأطباء يمكنهم تحسين خطهم، وهذا في حد ذاته إنجاز تاريخي، ونحن الذين كنا نعتقد أن الفراعنة يمكنهم تغيير خطهم بينما الأطباء لن يفعلوا.. وفي النهاية سنرى.

سنرى قريبا إن كان الأطباء بشر مثلنا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويكتبون بخط مستقيم، لكن قبل ذلك سيظل سؤال محير جدا ينخر أفئدتنا.. وهو أين تعلم الأطباء ذلك الخط الرهيب.. قولوا لنا أين..؟

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )