المخدرات الصلبة.. مشنقة لشعب بكامله

عبد الله الدامون

قبل بضعة أيام تم الإعلان عن ضبط شحنة كبيرة من مخدر الكوكايين بميناء طنجة المتوسط. قرابة طن ونصف الطن، كانت في انتظار توزيعها على المدمنين، سواء في المغرب أو في أوروبا.

التقارير الرسمية تقول إن الشحنة كانت في طريقها إلى بلدان مختلفة لتوزيعها، مثلما يتم توزيع مئات الأطنان من هذا المخدر كل عام. لكن هل يعقل أن يكون المغرب معبرا فقط، بينما الجميع يعرفون أن الواقع مر جدا في هذا المجتمع الذي غرق في المخدرات بمختلف أصنافها، إلى درجة لا نعرف معها كيف نصف هذا الواقع، هل هو مر، أم هو مضحك.

نعرف جميعا واقعا مخيفا ونتنافس في إخفائه. نعرف أن المخدرات الصلبة في المغرب أضحت معضلة خطيرة، وتهدد مستقبل المغاربة، بينما الخبراء والأطباء يحذرون من أن أبناء 13 و15 سنة أصبحوا يستهلكون الكوكايين والهيروين داخل المدارس وفي الأحياء الفقيرة، أما الجهات الرسمية فتمارس دور الأصم الأبكم.

في المغرب حكايات مرعبة لمدمنين يتزايدون يوما بعد آخر. الملاهي الليلية أصبح الكوكايين يباع فيها كما يباع الحليب عند البقال، وأسماء الملاهي وأسماء البائعين يعرفها الجميع. وفي أحياء شعبية كثيرة بالمدن الكبرى يعرف الناس بالضبط من يبيعون الكوكايين ومع ذلك لا شيء يحدث وكأنهم يبيعون الزرّيعة في راس الدرب، والناس يعرفون أيضا وجوه وأسماء المتواطئين الذين يحمونهم مقابل رشاوى، ومع ذلك لا يحدث أي شيء.

من المرعب أن هذا الواقع وضع مدمنا في كل بيت، يعني مأساة في كل أسرة. تصوروا شابا يدخل المطبخ مسرعا ويسرق طنجرة من فوق البوطاغاز ويهرب بها ليبيعها لشراء جرعته من الكوكايين أو الهيروين، بينما أمه ترجوه أن يترك لها الأكل ويأخذ الطنجرة. هل هذه كوميديا أو مأساة؟ هل هذا يُضحك أم يُبكي؟..

رجل آخر سرق البوطاغاز وترك طنجرة الأكل فوقها بينما أطفاله ينتظرون تناول الطعام للذهاب إلى المدرسة. وشاب آخر سرق كبش العيد من أسرته وباعه من أجل جرعة الكوكايين فقتله والده وانتهى العيد بذبح المدمن عوض الكبش.

رجل مدمن آخر يبيع السجائر بالتقسيط في باب نفس المدرسة التي يدرس فيها أبناؤه الذين اضطروا لترك الدراسة بالمرة رغم أنهم كانوا موهوبين في دراستهم لأنهم لم يتحملوا سخرية باقي الأطفال من والدهم.

مدمن آخر يضرب والديه كل يوم لكي يعطوه المال لشراء المخدر. هناك مدمنة في الخامسة عشرة من عمرها حولها مروجو الكوكايين إلى خادمة وبائعة واختطفوها لسنوات وعندما عادت لأسرتها أصبحت تحتاج لتصفية دم بالكامل يتطلب الملايين بينما أبوها رجل متقاعد ومقعد وأمها لا تشتغل.

هناك آلاف الحكايات القاسية لآلاف المدمنين حولوا حياتهم وحياة أسرهم إلى جحيم. هذه الأسر التي تقاوم كل يوم من أجل أفرادها المدمنين تستحق أكثر من وسام، مثل تلك المرأة التي كانت تربط ابنها المدمن بسلسلة حديدية في البيت، وتخرج معه إلى الشارع وهي تربط يدها بيده لكي لا يهرب، وفي النهاية شفي لأنه كان في بداية طريق الإدمان. هذه المرأة الشجاعة تستحق أكثر من وسام. هؤلاء النسوة المكافحات لا نسمع عنهن في وسائل الإعلام المشغولة بالتفاهات.

المغرب اليوم في كماشة حقيقية وخطيرة تهدد مستقبله بخطر كبير. القرقوبي يأتي من الجزائر، والهيروين من سبتة ومليلية والحدود الشرقية، والحشيش من حقول كتامة الشاسعة، والكوكايين من أمريكا اللاتينية وجنوب الصحراء، ومع ذلك يتصرف المسؤولون وكأن هذه البلاد تعيش في عش الأمان والاطمئنان.

لم يعد الكوكايين اليوم خاصا بالأغنياء، إنه مخدر الموضة، والذين لا يستطيعون الحصول عليه يتجرعون الهيروين، وإدمانه يؤدي إلى استعمال إبر الحقن، واستعمال إبر الحقن يؤدي إلى السيدا، والسيدا تؤدي إلى الموت الحتمي.

خطر المخدرات في المغرب أكبر بكثير من مآسي الحروب والزلازل والفيضانات. ومع ذلك لا تزال الرؤوس الكبيرة لترويج الكوكايين حرة طليقة، وبينهم أعيان و”شخصيات” تحظى بالاحترام والتقدير، بينما كان من اللازم أن تنصب لهؤلاء المشانق لأنهم مجرمون ينصبون المشنقة لشعب بكامله.

damounus@yahoo.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 1 )

  1. علي :

    شكرًا لك، عبدالله الدامون، على جهودك المستمرة وعملك الدؤوب في مجال الصحافة. تعكس كتاباتك التزامك بنقل الحقيقة وإثراء المعرفة. نحن نقدّر بشكل كبير تفانيك ومهارتك في طرح المواضيع المهمة بطريقة مهنية وموضوعية. شكرًا لك على إلهام الكثيرين وإحداث تأثير إيجابي في مجتمعنا.

    0