حائط مبكى “البيجيدي”..

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

كلما تحدث قادة حزب “العدالة والتنمية” عن سياسة حزبهم، سواء في حوارات مع صحف أجنبية أو خلال زيارات لبلدان مختلفة، فإنهم يقولون إنهم ليسوا إسلاميين، وإن حزبهم أيضا ليس إسلاميا، ويضيفون أنهم يؤدون مناسكهم التعبدية مثل باقي المغاربة، يعني أنهم يؤدونها بـ«السّطارْطير». ونحن نخشى، فقط، أن يأتي يوم ليقولوا لنا إنهم لن يصوموا رمضان المقبل بسبب مشاغلهم الكثيرة.

الكثير من قادة “البيجيدي” فقهاء لا تزال منابر المساجد بعدد من المدن المغربية تحتفظ ببصمات أصابعهم وأصواتهم، وبعضهم مناضلون سابقون في تنظيم «الشبيبة الإسلامية”، الذي لا يزال يوصف اليوم بالتطرف، لكنهم بدؤوا مراجعاتهم الشخصية منذ زمن طويل، استهلوها بنزع شوكة تكفير المجتمع ووصلوا إلى القول بأنهم ليسوا إسلاميين.

في حزب العدالة والتنمية حدثت وتحدُث أشياء أخرى، تحت زعم المراجعات أو بدعوى «البراغماتية». ومرة، قال الرجل القوي في “البيجيدي”، الحسن الداودي، إن مصر هي أفضل حالا تحت حكم السيسي، وهذا شيء لم يقله حتى عددٌ من الأحزاب العلمانية أو المسيحية في أوربا وغيرها، والتي لا تزال تعتبر ما حدث في مصر انقلابا عسكريا.

قد يقول كثيرون إن هناك فرقا كبيرا بين أن تنشئ حزبا إسلاميا، وتستغل فيه عواطف الناس، وبين أن تستمر في اعتبار ذلك الحزب إسلاميا في الواقع، لذلك فإن قادة “البيجيدي” يهمهم أن يظل الناس يعتبرون حزبهم إسلاميا، لأسباب انتخابية محضة، بينما يتصرفون على أن حزبهم علمانيا، أو على الأقل، كباقي الأحزاب.

وعندما وقع سعد الدين العثماني، على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل قبل بضعة أشهر، وتعرض لانتقادات حادة بفعل تناقضاته المذهبية والدينية، نفى فورا صفة الدين عن حزبه، بل ونفى كل شيء تقريبا، بما في ذلك أنه وصل إلى رئاسة الحكومة بفضل الناخبين، وقال إنه يمثل الدولة، يعني أم القياد والباشوات هم من صوتوا عليه.

يعرف قادة “البيجيدي” أنهم، في زمن مضى، كانوا يتوقون إلى مجرد كرسي وزاري تافه في أية حكومة مهما كانت توجهاتها، غير أن الذين يديرون دفة الحكم الحقيقي في هذه البلاد حرموهم حتى من هذه النزعة الطفولية في السلطة، قبل أن يدور الزمن دورته ويتحول بنكيران إلى أقوى رئيس حكومة في تاريخ المغرب الحديث، نظريا ودستوريا على الأقل، بفضل الحراك الشعبي لزمن ما سمي “الربيع العربي”.

لم يأت بنكيران إلى «الحكم» عن طريق صناديق الاقتراع بقدر ما جاء محمولا على بساط الريح الذي غنى عنه الراحل فريد الأطرش وقال بشأنه “بساط الريح جميل ومريح وكلّو أمان”، لكن الأشياءَ، من قبل، لم تكن آمنة بالمرة لأن الربيع الأصفر الذي عصف ببلدان كثيرة هبت بعض «نسائمه» على المغرب أيضا، لولا أن الخصوصية المغربية لعبت لعبتها، فكان “بنكيران هو الحل”.

مرت السنوات سريعا وصار بنكيران هو المشكلة، وربما استهلك الكثير من الوقت لكي يفهم أن اللعبة التي جاءت به إلى حضن السلطة هي نفس اللعبة التي ستقصيه منها، ففي البداية والنهاية المسألة اسمها لعبة، لكن بنكيران عاند كثيرا قبل أن يفهم أن زمنه انتهى، وطال زمن “البلوكاج” أكثر مما يجب، وربما احتاج بنكيران إلى بعض الإغراءات المادية لكي يقتنع أكثر، على صيغة “المؤلفة قلوبهم”.

ونحن اليوم على بعد أيام قليلة من الانتخابات العامة، يمارس “البيجيدي” لعبة القفز هنا وهناك، رجل في السلطة ورجل في المعارضة، مجموعة منهم في عش الحمام وآخرون في عش الصقور، مجموعة لا تبالي ومجموعة تشتم القاسم الانتخابي، مجموعة تهدد بالمعارضة ومجموعة ستقنع بأي شيء.

يعرف قادة “البيجيدي” أن نتائج الانتخابات المقبلة لن تكون أبدا في صالحهم، ولا نتحدث هنا عن تعب الدولة العميقة من وجوههم، بل حتى الإنسان العادي أنهكه نفاقهم المريع، النفاق الشخصي والسياسي، ومع ذلك فإنهم سيلعبون بكل الأوراق، بما في ذلك عودتهم مجددا للتمسح بالدين، الجدار الأخير الذي يمسحون فيه زلاتهم العظمى. إنه حائط مبكاهم..

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )