ربع ساعة لاسترجاع سبتة ومليلية

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

من حسنات التوتر المغربي الإسباني أنه كشف للمغاربة أشياء طريفة. فالكثير من الناس كانوا يعتقدون أن سبتة ومليلية محصنتان ضد السقوط، وأنه من الصعب على المغرب استرجاعهما ما لم يستعمل ضدهما صواريخ وقاذفات، لكنهم في النهاية اكتشفوا أن المغرب يمكن أن يستعيد سبتة ومليلية عبر عدم حراسة الحدود.. فقط لا غير.

ومن الطريف أن نتذكر ذلك الحصار الطويل بداية القرن الثامن عشر، في زمن السلطان إسماعيل، عندما استمر المغاربة يحاصرون سبتة ليلا ونهارا، صيفا وشتاء طوال ثلاثين سنة بالتمام والكمال، فتحول الحصار إلى مهنة، وتوارث الناس حصار سبتة كأنهم يتوارثون البيوت والحقول، وتضخمت ثروات قادة الحصار، ، وكان الناس يأخذون رواتبهم ومأكلهم ومشربهم كل يوم وهم يحاصرون المدينة لمدة زادت عن ثلاثة عقود. من ذا الذي يريد إذن تحرير سبتة أو مليلية إذا كان مأكله ومشربه وراتبه من حصارها؟ نتساءل اليوم.. هل كانوا يحاصرونها أم يحمونها..؟ يكفي أن تترك سبتة لشأنها فتسقط..

وقبل التوتر المغربي الإسباني الأخير، عرف المغاربة أن مليلية وسبتة تعيشان أيضا بالسمك المغربي واللحم المغربي والخبز المغربي والماء المغربي، وأن شاحنات كثيرة تدخل كل صباح لهاتين المدينتين تحمل كل القوت اللازم لـ”المحتلين” الإسبان. وفي عيد الأضحى تستورد المدينتان الآلاف من أكباش العيد لأن أزيد من نصف سكان سبتة ومليلية مسلمون.

الصراع المغربي الإسباني، هو صراع رومانسي ومفيد للمغاربة، لأنه بفضله يعرف الناس أن سبتة ومليلية مجرد لعبة موسمية بين المغرب وإسبانيا، فلا إسبانيا تحتاج هاتين المدينتين، ولا المغرب مصر على استرجاعهما، وكما قال يوما السياسي الإسباني الداهية، جوردي بوجول، فإن المغرب يحس بالأنس وهو يرى أوربا ملتصقة به.

وقبل أن يتم إغلاق الحدود في وجه التهريب المعاشي، فإن سبتة ومليلية ضخّمت ثروات الكثيرين، من بينهم أولئك الذين يمدونهما بالقوت اليومي ويربحون الملايير.

هناك أيضا المهربون الكبار الذين كانوا يحملون كل يوم أطنانا من السلع من هاتين المدينتين إلى داخل المغرب، وهؤلاء المهربون الكبار لم يكونوا يقفون في الطابور ولا تعفسهم الأرجل في الزحام ولا تنزل عليهم هراوات المخزن الإسباني والمغربي.

وبعد إغلاق الحدود استمر المهربون الكبار في ضخ كميات هائلة من سلع سبتة ومليلية إلى المغرب بطرق مختلفة، عبر الموانئ القريبة والبعيدة. الكبار لا تعوزهم وسائل التهريب.. فقط يغيرون القانون ويصبح التهريب قانونيا.

وقبل بضع سنوات، خرجت وثائق “الويكيليكس” لتقول إن وزير الخارجية المغربي وقتها، الطيب الفاسي الفهري، أخبر نظيره الإسباني، ميغيل أنخيل موراتينوس، سنة 2007، بأن العلاقات المغربية الإسبانية ستظل كما هي بعد أن يزور العاهل الإسباني وزوجته سبتة ومليلية.

وعندما حدثت تلك الزيارة، وهي الأولى من نوعها لعاهل إسباني للمدينتين، كانت الاحتجاجات الشعبية كبيرة في المغرب والغضب بلا حدود.. فمرت بضعة أيام وعاد كل طرف إلى قواعده سالما..

سبتة ومليلية، في حقيقة الأمر، ليستا سوى مدينتين خاضعتين للتدبير المفوض من طرف الإسبان، وكما منحنا جيراننا مهام جمع أزبالنا وحل معضلة نقلنا في عدد من المدن المغربية، بعد 70 عاما من الاستقلال، فلم لا نمنحهم حق التدبير المفوض لمدينتين بالكامل..؟! وعندما نريد استرجاعهما فعلا.. فسنحتاج إلى ربع ساعة فقط.. لا غير.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 1 )

  1. المساء اليوم :

    مقالات رائعة

    0