هل ستمتد حدود الناتو إلى سبتة ومليلية؟

نزار بولحية

ليس جديدا أن تطرح الفكرة، لكن في الوقت الذي لا يزال فيه بوتين مصمما على منع الناتو من التمدد أكثر شرق أوروبا، من تراه يقدر على الوقوف بوجه الحلف إن أراد التوسع من الناحية الأخرى، أي إلى التخوم الجنوبية للقارة؟ قد لا يبدو ذلك الآن بالذات أمرا ممكنا أو متوقعا. فالحريق الأوكراني لم يطفأ بعد ولا أحد باستطاعته الجزم إلى أين يمكن أن تمتد، أو ما إذا كانت نيرانه ستنحسر بسرعة، أم لا؟

لكن ما الذي سيمنع في الأثناء أكبر حلف عسكري في العالم من أن يمد ذراعه بعيدا، لا إلى الأطراف الشرقية للقارة الأوروبية مثلما يتوجس الروس، بل نحو جنوبها الغربي، فاتحا مظلته العسكرية الكبرى على منطقتين صغيرتين، بالكاد يمكن تمييزهما على خريطة الشمال الافريقي، وتوجدان منذ عدة قرون تحت سيطرة الإسبان؟ إن ما سيطرح حينها حتما، مع أن الفرضية تبدو بعيدة، هو إن كان ذلك الأمر سيمر بهدوء أم لا؟ وهل أن الاعتراض سيكون من جانب الروس، وربما الصينيين فحسب؟ أم أن المغاربيين وهم أصحاب الدار سيقفون حينها، رغم كل خلافاتهم صفا واحدا ضد تلك الخطوة؟

قطعا لن يكون من السهل أن يتوقع أحد حجم العواقب أو التداعيات التي قد يتركها مثل ذلك القرار في صورة ما إذا تم أخذه على المنطقة كلها. وليس خافيا أن مدريد باتت تتطلع منذ شهور وبشكل جدي لأن يصير ذلك ممكنا. وهذا قد يكون واحدا من الأسباب التي تجعل الحماسة الزائدة نسبيا للإيبيريين هذه الأيام لما يجري في كييف تبدو مفهومة، فرغم أن إسبانيا هي عضو في الاتحاد الأوروبي، وفي حلف شمال الأطلسي، وأن المنظمتين هما من تقودان دفة المواجهة مع الروس، وهو ما يجعلها تبعا لذلك ملزمة بتطبيق كل القرارات والمواقف الصادرة عنهما، فيما يخص الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا إن ذلك قد لا يبرر وحده حضورها القوي في الأزمة الأخيرة.

كما أنه ليس معروفا بعد إن كان قد طلب من الإسبان، أو إنهم بادروا من تلقاء أنفسهم لإرسال ما وصفها رئيس الوزراء الإسباني الأربعاء الماضي بـ»مواد عسكرية هجومية إلى المقاومة الأوكرانية». غير ذلك لن يعني في كل الأحوال سوى شيء واحد وهو، أنهم قرروا حرق كل مراكبهم نحو موسكو ما يجعلهم مقارنة بدول أوروبية أخرى حافظت على هامش ولو محدود للمناورة، أشبه بمن وضع كل بيضه في سلة واحدة، هي سلة الناتو، بشكل متسرع، وفي وقت مبكر نسبيا، ما زالت فيه الحرب في أيامها وأسابيعها الأولى. ولا شك في أن الدوافع أو الحسابات التي جعلتهم يقدمون على أخذ ذلك الخيار دون غيره، قد تكون وعلى عكس ما قد يبدو غير متصلة تماما مع ما يجري في الساحة الأوكرانية.

ومن المؤكد أن الإيبيريين يشعرون مثل باقي الأوروبيين بجدية وخطورة التهديد الذي يمثله اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا، غير أنهم يرون أيضا أن الوضع الحالي يمثل بالنسبة لهم فرصة مثالية، وربما نادرة أيضا للفت انتباه شركائهم في الاتحاد الأوروبي وفي الناتو، إلى أكبر قضية باتت تشغلهم في الشهور الأخيرة، وهي قضية الثغرين المغربيين المحتلين، أي سبتة ومليلية التي باتت وبمرور الوقت تمثل هاجسا حقيقيا لهم.

فمنذ أن قلبت الرباط المعادلة القديمة التي كانت تقوم على اعتماد اقتصاد جزء كبير من الريف أو الشمال المغربي على التجارة غير القانونية مع البلدتين المحتلتين، وفرضت قبل نحو أربع سنوات من الآن نوعا من الحصار غير المعلن عليهما، من خلال غلق المعبر المؤدي نحو مليلية في مرحلة أولى، ثم الإعلان بعدها بعام عن غلق المعبر الآخر المؤدي إلى سبتة، بشكل نهائي تحت مبرر السعي لمحاربة ما تسميه بالتهريب المعيشي، تغيرت الأمور بشكل جذري، وبات الإسبان أمام مأزق حقيقي.

لقد اجتمعت عدة عوامل ليس أقلها الارتباط الجغرافي لسبتة ومليلية بالتراب المغربي، والصعوبة الكبرى التي يواجهها الإسبان في توفير الحاجيات الأساسية لهما بمعزل عن دعم الرباط، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية التي سببها الحصار المغربي على المدينتين في فرض واقع جديد، لكن التطورات التي شهدتها علاقة الجارتين في السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص، وحالة التوتر غير المسبوقة التي عرفتها على خلفية استضافة مدريد ربيع العام الماضي لزعيم البوليساريو على أراضيها، بشكل سري، ودون إبلاغ المغرب بذلك، وما تبعها من تواصل للركود والجفاء بين العاصمتين حتى اليوم، أعادت للسطح ملفا شبه غائب أو مسكوت عنه وهو ملف الأراضي والجزر المغربية، التي لا تزال محتلة من إسبانيا.

لقد قال رئيس الوزراء المغربي السابق سعد الدين العثماني، شهورا قليلة قبل أن تظهر أزمة زعيم البوليساريو، وفي تصريح مدو أدلى به في ديسمبر 2020 إلى قناة «الشرق» للأخبار التلفزيونية إن «سبتة ومليلية من النقاط التي من الضروري أن يفتح فيها النقاش.. فالجمود هو سيد الموقف حاليا» معتبرا أن ذلك الملف «معلق منذ خمسة إلى ستة قرون لكنه سيفتح في يوم ما». وهذا ما جعل مدريد تستدعي في ذلك الوقت السفيرة المغربية المعتمدة لديها لتطلب منها «إيضاحات» حول تلك التصريحات.

ومع أن المغرب لم يؤكد بعدها بشكل رسمي أو مباشر مطالبه بخصوص البلدتين المحتلتين، على اعتبار أنه كان يركز كل جهده، بعد الاعتراف الأمريكي أواخر ذلك العام بمغربية الصحراء، على تحقيق اختراق دبلوماسي أوسع يسمح بالتوصل لغلق نهائي لذلك الملف، إلا أنه كان يبحث بالموازاة مع ذلك عن توفير الشروط المطلوبة لعرض تلك المطالب في الوقت المناسب. وربما هون البعض ما حصل في مايو من العام الماضي، حين غض المغاربة الطرف عن دخول آلاف من الشبان إلى جيب سبتة. لكن ذلك أشعل على الجانب الإسباني أكثر من ضوء أحمر.

لقد فهم الإسبان حينها أن ما يعتبرونها حدودهم مع المغرب ليست مصانة أو مقدسة، وأنها يمكن أن تخترق متى لم يكن هناك اتفاق ما مع الرباط. لكن هل كان استنجادهم بأوروبا وبالناتو مبررا؟ أو كان على الأقل متناسبا مع ما قد يعتبرونه تهديدا مغربيا لوجودهم في البلدتين المحتلتين؟

لا شك في أن طلب بعض الأحزاب الإسبانية توسيع حماية الناتو لتشمل سبتة ومليلية، كان الدليل الإضافي على عجز مدريد عن الدفاع بمفردها عما تعتبرها أراضيها. والعلامة الأقوى على أنها باتت في موقف أضعف هو أن الحلف الذي لم يتمكن على مدى أكثر من أربعين عاما من عضوية إسبانيا فيه، ولاعتبارات إجرائية وقانونية صرفة، من فعل ذلك لن يسهل عليه الآن في ظل الحرب في أوكرانيا أن يجازف بشيء مماثل خصوصا مع توثق علاقاته مع الرباط. إذن ما الذي بقي على الإسبان فعله؟ عمليا لا شيء آخر عدا الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المغرب للبحث في مصير البلدتين والجزر المحتلة.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )