المساء اليوم - حسنية أسقال: الانتخابات العامة المقبلة في الـ8 من شتنبر يُنتظر منها الكثير، شعبيا وعلى مستوى النخب السياسية، وذلك من حيث إيجاد نخب جديدة ذات كفاءة قادرة على تطبيق النموذج التنموي الجديد، الذي يجري إعداده منذ أشهر من قبل لجنة عيّنها الملك محمد السادس، هدفها الحد من الفوارق الصارخة في المغرب، إضافة إلى كونها اختبار جديد لمدى قدرة الأحزاب على تجديد نخبها السياسية الحالية، والتي تكشف الأرقام الحديثة أن نسبة الذين يثقون فيها، تصل إلى الحضيض. تحدي انتخابات نزيهة في زمن الكورونا غير أن جائحة كورونا ستلقي بظلالها على هذه الانتخابات، خصوصا الجانب الاقتصادي منها، حيث يتخوف من أن تؤثر الضائقة المالية للمغاربة، نتيجة مضاعفات الفيروس المالية، في طبيعة هذه الانتخابات، خصوصا من جانب استعمال المال من أجل إغراء الناخبين وشراء أصواتهم، وهي ظاهرة ظلت، في كل الأحوال، ملازمة للانتخابات في المغرب، غير أنها تخف حدتها أو تزداد من انتخابات إلى أخرى. المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية بالمغرب، قالت في تقريرها الأخير إن معدل الفقر قد تضاعف 7 مرات على الصعيد الوطني، "حيث انتقل من 1.7% قبل أزمة كورونا إلى 11.7% خلال الحجر الصحي"، التي استمرت أزيد من 3 أشهر. علاوة على ذلك تضاعف معدل الهشاشة "بأكثر من مرتين حيث انتقل من 7.3% قبل الحجر الصحي إلى 16.7 أثناء الحجر الصحي"، خصوصاً في البوادي. البعض يرى أن هذه الانتخابات لن تكون مختلفة عن سابقاتها، وأن "المال السياسي والوجوه السياسية التقليدية سيكونان اللاعبان الرئيسيان فيها، كالعادة، وذلك من خلال استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناخبين، وإن كانت، حسب رأيهم، قاعدة مسلّم بها في الانتخابات المغربية، في ظل غياب برامج سياسية للأحزاب والمرشحين"، مؤكدين أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي طالما كان عاملا رئيسيا في توجيه تصويت المغاربة، وهو ما "يستغله السياسيون وأحزابهم، من خلال استثمارهم فقر وحاجة ناخبيهم". هل يختفي المال السياسي في هذه الانتخابات؟ تبقى "القفة" من المعالم المعروفة والراسخة في الانتخابات بالمغرب، فهي شكل من أشكال استعمال المال السياسي، أحيانا بصورة رشاوى نقدية مباشرة أو عينية غير مباشرة، وأحيانا أخرى يسميها البعض بـ"الأفعال الإحسانية"، التي تستهدف طبقة عريضة من الناخبين المتأرجحة بين الفقر والجهل والخوف من المجهول، فـ"قفة الانتخابات" هي كل ما تقدمه الأحزاب ومرشحيها كبرنامج انتخابي وإيديولوجي، وجزء محوري من استراتيجيتهم الانتخابية التي لا يملكنا سواها، خصوصا وأن الطبقة السياسية التقليدية، والذي من المنتظر أن تتصدر هذه الانتخابات تتقن "سياسة القفة"، لما تملكه من إمكانيات مالية تسمح، وحنكة طويلة في دواليب السياسية. المراقبون والمتابعون للشأن العام يتخوفون من سيطرة المال على المشهد السياسي، حيث يبدو أن قوى المال والأعمال تستعد للدخول بقوة لهذه الانتخابات، من خلال إعادة ترشيح نفس الوجوه، ونفس النخب، خصوصاً تلك التي تحوم حولها شبهات الفساد وهو ما يجعل نفس السيناريو يتكرر كل مرة، وإن كانوا، في زمن الكورونا، وازنين أكثر من السابق للوضعية التي يعانيها الناخب المغربي البسيط، الأمر الذي يحتم على أجهزة الدولة إيجاد الآليات والبرامج المناسبة لإرساء أسس شفافة وواضحة لتمويل الانتخابات، وتقنين حجم ما سينفق من أموال في الشارع سواء في أساليب الدعاية، والحد من عمليات شراء الأصوات من خلال بطاقة الناخب، فضلا عن الولائم التي تنفق عليها الملايين. رهانات على وعي المواطن ومستقبله البعض يراهن على فعاليات المجتمع المدني لأجل توعية الناخبين وفضح عمليات التمويل المشبوهة والمال الفاسد في العملية الانتخابية، باعتبار أن المواطن هو الضامن الفعلي لنزاهة الانتخابات، وهو الذي سيقاوم الرشوة والمال المشبوه، لكن في ظل ما خلفته جائحة كورونا من حالات فقر وعوز وبطالة، فإن الناخبين قد لا يجدون مفرا إلا التعامل مع المرشح الأقوى ماليا،ً لتلبية بعض احتياجاتهم وربما إيجاد حلول لبعض مشكلاتهم التي عجزت الدولة والجهات المختصة عن حلها. لكن ورغم كل ما ذكر سلفا، فإن الانتخابات القادمة، المحلية والمهنية والجهوية والتشريعية (البرلمان بغرفتيه)، مهمة ومفصلية في تاريخ البلاد من حيث ظرفيتها والترقبات المنشودة منها، فبخلاف التأثيرات القوية والعميقة لجائحة كورونا على المجتمع والاقتصاد، إلا المأمول منها قد يشكل علامة فارقة في حياة الطبقات المتوسطة والفقيرة، في إطار نموذج اقتصادي واجتماعي تنموي جديد يعمل على الحد من الفوارق الصارخة في البلاد، يضمن تغطية اجتماعية عادلة ومُنصفة وشاملة، تُمَكِّن الطبقات المتوسطة والفقيرة من الحصول على الرعاية الكفيلة بدعم قدراتها للخروج من الفقر والهشاشة.