بعد أنباء قُربها من مخيمات تندوف.. موسكو تتموقع بمنطقة الساحل عبر جيشها الموازي “فاغنر”

المساء اليوم – حسنية أسقال:

البعض يصفها بـ”اليد العسكرية لروسيا وجيشها الموازي”، فيما تُطلق عليها منظمة العفو الدولية “الجيش السري لفلاديمير بوتين”، الأنباء التي راجت مؤخراً في وسائل الإعلام عن دخول “فاغنر” الروسية على خط الصحراء لتدريب أفراد “جبهة البوليساريو” ومشاركتهم ميدانيا في بعض العمليات المحتملة، سلط الضوء على هذه الميلشيا المسلحة، التي كان وجودها في البلدان العربية والإفريقية حتى وقت قريب، مقتصراً على مناطق الصراع في سوريا والسودان والموزمبيق وليبيا ما بعد القذافي.

تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر في الفترة الأخيرة، يراه خبراء تهديداً مُقلقا بشكل أو بآخر لاستقرار المنطقة، لما له من أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية، كما أن انحياز قوى غربية لطرف دون الأخر في هذه الأزمة، من شأنه تعميق حدتها ويجعل المنطقة مُقبلة على سيناريوهات مفتوحة بعضها يُهدد بزعزعة الاستقرار، إن لم يتم احتواء الصراع قبل انفلات زمامه.

الجزائر في تصعيدها الأخير مع المغرب، تبدو حسب مراقبين، عازمة أكثر من أي وقت مضى على دعم البوليساريو بتسخير إعلامها وكل إمكاناتها وإمكانات حلفائها في سبيل ذلك، ومن بين هؤلاء الحلفاء، الروس التي تتحدث تقارير عن شروعهم في البحث عن موطئ قدم عسكري لهم في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وبشكل غير مباشر من خلال ميلشيا “فاغنر”، خصوصاً بعد قرار باريس الأحادي، بسحب قواتها من عملية “برخان” في مالي.

المعطيات التي تم تداولها في الآونة الأخيرة تتحدث عن قُرب تعاقد مرتزقة “فاغنر” لتدريب عناصر “جبهة البوليساريو”، التي تحاول منذ فترة التسويق لحرب “دعائية” تجري أطوارها في الصحراء عبر حملة إعلامية تقودها الجزائر والجبهة، لإيهام الرأي العام العالمي “بوجود صراع مسلح مزعوم في الصحراء المغربية”.

المعطيات حول “فاغنر” ليست بالكثيرة وتبقى ظروف نشأتها غامضة، كونها ميليشيا من المرتزقة الذين يتم تجنيدهم من بقاع مختلفة من العالم لتأجير خبراتهم القتالية في معارك بلا قيم، وتنفيذ ما يوصف بالعمليات القذرة في مناطق النزاع المختلفة.

تُعد “فاغنر” أشهر شركة أمنية روسية، تماثل شركة “بلاك ووتر” الأميركية ذات الصيت السيئ، لما ارتكبته من فظائع خصوصا في العراق. تقارير تٌقدر عدد عناصرها ما بين 2500 و5000 مرتزق، ضمن قائمة طويلة من الجنسيات بدءا من الروسية والصربية والأوكرانية والمولدافية والأرمينية وحتى الكازاخية.

ظهرت الميليشيا الروسية لأول مرة في الوطن العربي في 2014 بسوريا، حيث تشرف على شركتين أمنيتين هما، “صائدو داعش”، و”سند” للحراسة والخدمات الأمنية. مصادر إعلامية تشير إلى أن الجيش الروسي ينسق مع هذه القوات التي يتم نقلها عبر طائرات عسكرية تابعة له، وتحصل على امتيازات الجيش ذاتها، رغم أنها لا تملك أي “وجود شرعي” في روسيا، حيث الشركات شبه العسكرية محظورة.

لكن موسكو تنفي أي علاقة مع “فاغنر”، خصوصاً بعد أن راجت أنباء على أنها ملك لـ”إفغيني بريغوجين” وهو رجل أعمال روسي مقرب من الكرملين، “فاغنر” كحال جميع الميلشيات العسكرية تجد ضالتها في مناطق صراع أو ما يُعرف بـ”الثقوب السوداء”، مناطق الفوضى الخارجة عن سلطة القانون.

الشركة أخذت اسمها من كنية الضابط الروسي ديمتري أوتكين، الذي كان يعمل في المخابرات الروسية سابقا تحت اسم “فاغنر”، وذلك لشدة إعجابه بالمؤلف الموسيقي والكاتب المسرحي الألماني ريتشارد فاغنر.

وُجهت للميلشيا الروسية تُهم التعذيب والقمع والاغتصاب ضد مدنيين في مناطق النزاعات، إذ استُعين بها في الموزمبيق والسودان حيث شاركت في قمع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع للمطالبة برحيل الرئيس السابق عمر البشير في 2019.

“فاغنر” وتدريب جبهة البوليساريو

تقارير ربطت الأسبوع الماضي بين علاقة “مرتزقة فاغنر” بجبهة البوليساريو والأزمة الدبلوماسية الصامتة بين المغرب وروسيا، مراقبون رأووا أن الأزمة بين موسكو والرباط، تحصيل حاصل للأزمة الكبرى بين المغرب وجارته الجزائر، فروسيا طالما كانت حليفا عسكريا للجزائر، من خلال تزويده بأسلحة نوعية وبالخصوص الغواصات بأنظمة متطورة للغاية مثل ضرب أهداف برية من قاع البحر لا تتوفر عليها سوى سبع دول في العالم، الأمر الذي ترى الرباط أن روسيا تسعى من خلاله إلى خلق حالة من التوتر العسكري الشديد في شمال إفريقيا.

المغرب يبدو غير راض على المنحى الذي اختارته روسيا بالنسبة لملف الصحراء وجعل العلاقة بين البلدين تكتسي نوعا من البرود، بعد أن كان مراقبون يتحدثون عن تغيير نوعي في هذه العلاقة بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لموسكو في 2016، وما صاحبها من اتفاقيات وتعاون.

قلق المغرب من اقتراب مليشيات “فاغنر”، الذراع غير المباشر للسياسة الخارجية الروسية في مناطق النزاعات ومنها منطقة الساحل في مالي ونسبيا الصحراء، له ما يبرره خصوصا بعد أنباء عن وجود خبراء عسكريين روس في الجزائر.

كما أن استقبال مبعوث الرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف وفدا من البوليساريو يوم الأربعاء لمعالجة مستقبل هذا النزاع، يؤكد وجود الأزمة بين الرباط وموسكو، خصوصاً وأن هذا اللقاء يأتي أسبوعا واحدا قبل الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن الدولي لبحث قرار جديد حول الصحراء والمصادقة عليه.

دوائر قريبة من ملف الصحراء، ترى أن التحالف الجزائري الروسي في ملف شائك ومُعقد كالصحراء، لن يتم التساهل معه إطلاقاً من قبل الرباط، خصوصا وأن الوضع في دول شمال إفريقيا، خصوصا في تونس وليبيا ليس في أفضل أحواله، إضافة إلى منطقة الساحل معقل الحركات الإرهابية المسلحة، ناهيك عن تبعات القرار الفرنسي الأحادي بسحب قواته من عملية “برخان” بمالي دون التشارور مع باماكو أو الأمم المتحدة، وما قد يترتب عنه من فوضى وتغلغل الجماعات الإرهابية.

إعلان وزير الدفاع المالي إجراء محادثات مع شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة، بعد قرار باريس سحب قواتها من بلده، خلق نوعا من الغموض حول حقيقة تواجد “فاغنر” في المنطقة، رغم تأكيد الوزير المالي على أن بلاده “لم توقّع” أي اتفاق لحد الآن.

لكن في حال التوصل الحكومة المالية و”فاغنر” للاتفاق، فإن الميليشيا الروسية ستقوم بنشر ألف مقاتل من مرتزقتها لتشكيل القوات المسلحة المالية، حسب مصدر فرنسي قريب من الملف، مما قد يجعل الوجود الروسي في المنطقة أمراً واقعا، لكن عبر ميليشيا من المرتزقة المسلحين، وبالتالي قريبا من مناطق صراع مُقلق ومعقد، تُمثل فيه التهديدات الإرهابية القادمة من الساحل الإفريقي، تحدياً لبلدان المنطقة، وعلى رأسها المغرب، وذلك بعد تورط أعضاء من جبهة البوليساريو مع جماعات إرهابية مسلحة في المنطقة.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )