نزار بولحية ما الذي جعل الرئيس الموريتاني يطير الإثنين الماضي إلى الجزائر، بزيارة دولة تستمر لثلاثة أيام؟ من المؤلم حقا أن يطرح مثل ذلك السؤال في وقت كان يفترض فيه أن يقال وعلى العكس منه: ما الذي منع وما زال يمنع القادة المغاربيين حتى الآن من أن يقوموا بأضعف الإيمان وهو، أن يتبادلوا الزيارات الدورية في ما بينهم؟ لكن الجواب الذي ردده كثيرون، أن ولد الشيخ الغزواني جاء إلى الجزائر، وبالأساس وفضلا عن الإشراف مع نظيره الجزائري على توقيع جملة من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية المهمة، لأجل محاولة التوسط بين جارتيه المغاربيتين، أي المغرب والجزائر. لقد سبق لموريتانيا أن عبرت، وفي أكثر من مناسبة، بشكل مباشر أو حتى موارب، عن انزعاجها الكبير وعن عدم رضاها وقلقها من قطع العلاقات وارتفاع منسوب التوتر والتصعيد بين البلدين في الشهور الأخيرة. وفي حديث أجرته معه مجلة «الاقتصاد والأعمال» اللبنانية، أياما قليلة قبل زيارته للجزائر، وجد الرئيس الموريتاني أنه من المناسب جدا أن يؤكد، أنه «يأمل في أن يأتي اليوم الذي تعود فيه اللحمة إلى اتحاد المغرب العربي، وإرساء التكامل المنشود، تحقيقا لإرادة الشعوب، وتجسيدا لأحلام الآباء المؤسسين» قبل أن يضيف أن بلاده «على استعداد للعب دور باستعادة اللحمة بين دول المغرب العربي» وأنه يأسف «للعقبات التي تقف في طريقها» وأنه قلق أيضا «من عوامل التوتر التي تظهر من حين إلى آخر» من دون أن يفوته التشديد على أنه «يجب أن نعتمد على حكمة هذين البلدين الشقيقين، أي المغرب والجزائر، اللذين تربطنا بهما علاقات طيبة للغاية، على حد تعبيره، ونحن مستعدون إذا ما طلب منا ذلك، أي الوساطة بينهما. غير أن النوايا الموريتانية الصادقة والطيبة تصطدم بجدار سميك من الرفض. فالجزائريون ما زالوا حتى الآن يديرون الظهر لكل الوساطات والمبادرات والمقترحات، التي عرضت، أو حتى تلك التي قد تعرض عليهم، لإعادة علاقاتهم المقطوعة مع المغرب. والمنطق الذي قد يقف وراء ذلك قد لا يبدو مفهوما بالمرة، وهو لا يختلف كثيرا عما يردده البعض من هذا الطرف، ومن ذاك من مبررات واهية من قبيل: وما الحاجة أصلا لتلك المصالحة؟ ألا تستطيع الجزائر أن تحيا من دون المغرب؟ أليس بإمكان المغرب أن يعيش بمعزل عن الجزائر؟ لكن الحديث بتلك النبرة الانعزالية، ومحاولة القفز على التاريخ والجغرافيا والتنصل من الجوار، لا تبدو فقط لمن يحاول تجربتها على الأرض معاكسة لأي منطق، بل مدمرة أيضا لأي تقارب. والواقع أن أي مغاربي لن يذرف حتى ولو دمعة واحدة على العام الذي سيركن في غضون أيام قليلة فقط على رفوف التاريخ. فإن لم يكن هو أسوأ عام على الإطلاق في علاقات الدول المغاربية بعضها ببعض، فإنه كان أكثر الأعوام التي شعر فيها الليبيون والتونسيون والجزائريون والمغاربة والموريتانيون، بأنهم صاروا أبعد مما كانوا من الاقتراب من تحقيق حلم الأجيال التي سبقتهم في إنشاء اتحاد إقليمي عتيد في الشمال الافريقي. والاسطوانة المشروخة التي ظل يرددها الجميع غالبا من دون وعي، هي اتهام كل طرف للآخر بأنه هو المتسبب في تعطل وتعثر المشروع المغاربي، وأنه سيبقى وعلى عكس جاره، ورغم كل المطبات والعراقيل والصعوبات وفيا لذلك الحلم. لكن هل ما زال الوقت يخدم الفكرة، ويعمل على إنضاجها؟ أم أنه يئدها ببطء ويقتلها عرقا بعد آخر؟ ربما يعجب البعض لبرلين التي أغلقت قوس خلافها مع الرباط بسرعة قياسية، وكيف أنها وبمجرد استلام الحكومة الجديدة لمهامها، فعلت ما كان ينبغي عليها فعله وهو، أن لا تترك علاقاتها مع المغرب تبلغ خط اللاعودة، فقد مهد البيان الذي أصدرته خارجيتها قبل أسابيع حول موقفها من النزاع الصحراوي، السبيل أمام تطبيع علاقاتها معها، وكانت الطريقة التي حصل بها ذلك الدليل القطعي على أن الألمان لم يرغبوا في أن يتراكم سوء الفهم بين الجانبين، أو أن يأخذ مدى أكبر وأوسع مما أخذه. ومع أن المقارنة بين حجم وعمق وتشعب الخلاف بين المغاربة والألمان، وبينهم وبين الجزائريين قد لا تكون ممكنة، إلا أن المؤسف حقا هو أن القليل من تلك الرغبة أو الإرادة لم يكن موجودا وبالقدر الكافي، على الأقل في المسار الذي أخذته الأزمة الجزائرية المغربية، وهي لب وجوهر الأزمات المغاربية، وبما يسمح للبلدين الجارين بأن يقفلا عامهما بعقد مصالحة تاريخية، كانت ستعتبر وبلا شك في حال حصولها الحدث المغاربي والعربي الأبرز والأهم على الإطلاق في السنة الحالية. لكن هل سيتأجل ذلك لوقت قصير فحسب؟ وهل سيحمل العام المقبل في طياته روحا أخرى ونوايا وإرادات مختلفة؟ وهل أن هناك بصيص أمل ولو ضئيلا أو محدودا، في أن تكون السنة، التي لم يعد يفصل على ظهورها سوى أيام قليلة هي سنة التطبيع الجزائري المغربي، وموعد الصفحة الجديدة التي لطالما تطلع كثيرون ومنذ عقود طويلة لأن تفتح بين المغرب والجزائر؟ الواقع المحزن والبائس للمنطقة المغاربية بوجه عام وللعلاقات بين دولها لا يدع مجالا كبيرا للتفاؤل، غير أن هناك بعض المؤشرات القليلة وربما حتى البسيطة على أن الفرص قد لا تنعدم تماما، فسواء تمكن الرئيس الموريتاني في ختام زيارته للجزائر من أن ينتزع من الجزائريين وعدا بالتفكير في مقترحاته بالوساطة بينهم وبين المغاربة، أم عجز عن ذلك، فإن ما قاله نظيره الجزائري في زيارته الاخيرة إلى تونس منتصف الشهر الجاري من أن «الجزائر تتأهب لاحتضان القمة العربية التي نريدها جامعة وشاملة، وهي لن تكرس التفرقة العربية. فإما أن تكون قمة جامعة، وإما أن تكون هناك نظرة أخرى» على حد وصفه قد لا يعني فقط أن هناك محاولات ومساع لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بل ربما أيضا لترتيب لقاء ما بين المسؤولين الجزائريين والمغاربة، يسمح لهم لاحقا بعقد مفاوضات وحوارات حول العلاقات المقطوعة بينهما. فكيف يمكن أن تكون هناك قمة عربية في الجزائر من دون حضور المغرب؟ ولعل الجدل الذي أثير قبل أيام حول اعتماد الجامعة العربية لما يصفها المغاربة بخريطة المغرب الكاملة، أي تلك التي تشمل الصحراء قد يكون محفزا إضافيا للعرب للتفكير في تكثيف المساعي لجمع الطرفين إلى طاولة واحدة قبل موعد القمة. لكن ما الذي ينبغي فعله حتى يكون ذلك ممكنا؟. لعل من أهم الأشياء هو أن يعلن عن وقف فوري للتراشق الإعلامي بين البلدين، وأن يلعب الإعلاميون والمثقفون دورهم في تهدئة التوترات والدفاع لأقصى حد عن الحاجة العاجلة للمصالحة. والمؤكد أنه متى حصل ذلك فإن الطموح لأن يكون العام المقبل هو عام عودة العلاقات المغربية الجزائرية إلى طبيعتها والحلم المغاربي إلى مداره سيكون مشروعا جدا وجائزا.