المساء اليوم - ح. اعديل يعتبر علم الفراسة واحدا من أهم العلوم النفسية والإنسانية لدى مختلف الأمم والشعوب، وهو علم لا يزال يثير جدلا حتى اليوم، بالنظر إلى وجهات النظر المتعددة للباحثين والدارسين. وحظي علم الفراسة بمكانة خاصة عند العرب منذ قديم الزمان، حيث كانوا يمضون السنين في تعلمه وجمعه وكتابته، ومن ألمع من برع في هذا المجال الإمام الشافعي، فقد سافر إلى اليمن ومكث فيها ثلاث سنين يتعلم فن الفراسة، ويوجد كثير من القصص والمواقف تروي مدى قوة فراسته لمن أراد أن يتبحر في هذا المجال. ويحظى علم الفراسة بمكانة خاصة في العصر الحديث، حيث إنه عندما تنظر أحيانا إلى شخص ما وتقول: واضح من وجهه أنه ذكي، وترى شخصا آخر فتقول: عرفت من عيونه أنه لئيم، أو واضح من وجه هذا الشخص أنه حقير ولص، أو يبدو من خلال عيونه أنه خبيث ويخاف انكشاف أسراره.. هذا ببساطة ما يعرف بقراءة الوجوه. لكن طبعا ًقراءة الوجوه أو ما يسمى بالفراسة -بكسر الفاء- هو علم قائم بذاته له أسس وقواعد ومعايير. وأبرز ما ركز عليه علماء الفراسة هو لغة العيون، والعيون، كما يقال، مرآة الروح، لأنها كاشفة ما وراءها، ويقال إن الاتصال بالعين نوع من لغة الجسد لا يقل أهمية عن الكلمات في إنجاح أية محادثة، ففي بعض الأحيان تتحدث أعيننا وأجسامنا أفضل من الكلمات، بل وتساعدنا على تذكر الوجوه التي مررنا بها. والعديد من علاقاتنا تبدأ باللحظة التي تلتقي فيها أعيننا وندرك أن الشخص الآخر ينظر إلينا باهتمام أو بحقد أو بخوف، وقد وجد باحثون يابانيون أن الاتصال البصري تجربة مكثفة تستهلك طاقة دماغية إضافية لدرجة تجعل من الصعب على المخ القيام بمهام عقلية أخرى في نفس الوقت. ويهمنا في هذا المقال التحليلي النفسي الأكاديمي، أن نركز، كنموذح، على شخص معروف عند الرأي العام، وهو عمدة طنجة، منير ليموري، الإسكافي السابق الذي يعتبر مادة دسمة لعلم الفراسة، لأن وجهه يعتبر مثاليا للتحليل والدراسة في هذا المجال. والمعروف عن ليموري أنه ليس "فوطوجينيك"، وأن ملامحه ليست مناسبة تماما لمنصبه، لكنه في كل الأحوال عمدة لثاني أهم مدينة اقتصادية في المملكة، رغم أن وصوله إلى هذا المنصب يعتبر ظاهرة استثنائية بكل المقاييس، لأنه لم يسبق أن تحول إسكافي بسيط إلى عمدة مدينة كبيرة، وهذا ربما ما يجعل وجهه ينطق بالكثير من الأشياء، خصوصا عيونه التي نادرا ما تنظر مباشرة إلى الأمام، حيث يستخدمها كثيرا بطرق جانبية وحادة. ومنذ وصول ليموري إلى هذا المنصب ظلت ملامح وجهه تشغل الناس لأنها ملامح متقلبة وغير جديرة بالثقة. وحتى ابتسامته تعتبر استثنائية بكل المقاييس، لأنها تخفي وراءها ما يشبه الخوف الممزوج بالرغبة في الصراخ والاختباء، وأحيانا يخفي وجهه رغبة عارمة في الضحك الهستيري، لأسباب غامضة. ويتذكر المغاربة كيف أنه تلقى يوما سؤالا من صحافي حول ما يجري في غزة، فأطلق عمدة طنجة ضحكة قوية أمام الكاميرات، ولا يعرف الناس، إلى حدود اليوم، سر تلك الضحكة في موضوع رهيب مثل غزة..! وهذا ما جعل الناس يعتقدون أن هناك الكثير من الأمور النفسية المعقدة التي يجب دراستها حول هذا الشخص. غير أن أهم ما يلفت اهتمام علماء الفراسة في وجه عمدة طنجة، هو إدمانه على نظرات جانبية حادة وغير مفهومة، خصوصا عندما يكون في أمكنة يخشى فيها أن يتم الحديث عن مواضيع معينة. ويتجنب ليموري بشكل كبير النظر مباشرة بالعين، وهو ما يفسره علماء الفراسة بأن تجنب الاتصال بالعين ربما يدل على أن لدى الشخص ما يخفيه، أو ينتابه شعور بالقلق أو الخجل.. أو حتى الرعب.. لذلك يفضل النظرات الجانبية التي تمنحه إحساسا مزدوجا.. الخوف والأمان معا...! ويفسر خبراء التحليل النفسي بأن النظرة الجانبية تعني النظرة السريعة من الزاوية حتى لا يتم اكتشافها من قبل الآخر، وفي اللحظة التي يتم فيها اكتشاف أنه ينظر إليه وتلتقي عيون كلاهما، فإنه سيبعد نظره على الفور، وهي تعني أنه يشك فيه، وأنه مشبوه بالنسبة له، أو مشكوك في أمره، وأنه لا يثق به. كما أنها نظرة تلصق بصاحبها الكثير من الانطباعات السلبية مثل أنه شخص خبيث أو غير صريح في أغلب الأحيان. ويرى الدارسون أن النظرات الجانبية الحادة هي أسوأ أنواع النظر، وتدل على أن صاحبها يعاني كثيرا على المستوى النفسي، أو أنه يعاني من ضعف مزمن في الثقة بالنفس ويتظاهر بالعكس. ويتفق علماء الفراسة، سواء العرب أو العجم، أن النظرات الجانبية لا تعتبر تجاهلا للآخرين واستعلاء عليهم، بل مجرد خوف وانعدام ثقة بالنفس، ويفسر الخبراء هذه النظرات بما يحدث عند الحيوانات التي تسرق الطعام مثلا، وكيف لا تجرؤ على النظر مباشرة في عيون أصحابها، بل تنظر إليهم نظرات جانبية ممزوجة بكثير من الخوف والقلق، لأن هذه الحيوانات تعرف أنها سرقت، وتعرف أن أصحابها يعرفون أنها سرقت، لذلك تنظر بتلك الطريقة الجانبية التي تدل على الاعتراف الضمني بما فعلت، وتطلب الصفح، لكنها قد تكرر فعلتها في أول مناسبة تتاح لها للسرقة. المدرسة الألمانية في علم الفراسة لها وجهة نظر متميزة، فهي تقول إن تجاهل الآخرين بصريا يسمى في الثقافة الألمانية “النظر إلى الهواء”، وليس النظرات الجانبية، والنظر في الهواء يتطلب حدا أدنى من الثقة في النفس والإحساس بالتفوق، وهو شيء لم يسبق لعمدة طنجة أن قام به، حيث أن 90 في المائة من نظراته جانبية، وفق الدراسة الأكاديمية التي قام بها موقع "المساء اليوم" من خلال الأشرطة والصور التي يظهر فيها العمدة منير ليموري، غير أن هذه الدراسة لم تشمل الفترة التي كان فيها ليموري يشتغل إسكافيا عند مواطن إسباني، أو عندما كان يسوق "المرسيديس المعلومة" ما بين طنجة وكاستيوخو، أو حتى عندما كان يسوق سيارة "طويوطا" القزمة وعلى زجاجها الأمامي شارة "طبيب". أما المدرسة الأمريكية في علم الفراسة فتقول إن من يتجنب النظر بشكل مباشر إلى عيون الآخرين يشعر بالخجل منهم، أو أنه يحاول خداعهم، خصوصا إذا كانت ملامح وجهه لها خاصيات معينة، أو كان الوجه يحمل ذقنا صغيرا تحت الفم، ويتفق هذا التفسير مع اعتقاد واسع لدى المغاربة بأنه من الصعب الثقة في وجه "بوكادومة"..!. كما أن النظرة الجانبية، حسب المدرسة الأمريكية، إلهاء والتفات، لأن مجال النظر الطبيعي غالبا ما يكون أفقيا، لذا تعد النظرة الجانبية التفاتا عن موضوع المحادثة أو عن شخصية المتحدث. وأحيانا تكون إشارة غضب أو انزعاج أو خوف من شيء ما، وليس ضروريا أن يكون صاحب النظرات الجانبية يعرف بالتحديد ما يخاف منه، لكن شعوره العام يخبره بأنه دائما في خطر، وأن الناس قد يفضحونه في أي وقت، وأن أسراره لم تعد في مأمن. في الحلقة المقبلة: تفسير المدرسة البريطانية لعلم الفراسة للنظرات الجانبية وعلاقتها بامرأة "البراق"